عاشوراء .. الشهر المحرم .. أسماه العرب قبل الإسلام .. و إستمر الإسم بعد الإسلام ، محرم فيه القتال ، شهر له إحترام خاص ، و توقير رفيع .. وتواترت الروايات في أصل التسمية ، و إتفقت كلها في أسبابها .. لما كان التاريخ شاهداً على ما في هذا الشهر من أحداث عظام ، آيات معجزة ، تاريخ تداخلت فيه إرادة الله بشكل مباشــر وجلي لترتيب الحياة ، و تكوين المبادئ .. يوم شق البحر الأحمر لإنقاذ قبائل بني إسرائيل خلف نبي الله موسى عليه الصلاة و السلام ، من بطش فرعون و جنوده .. يوم أقر رسول الله محمد عليه الصلاة و السلام ، صيامه لفضله و لأحقية المبي محمد و أمته بموسى من اليهود.. يوم عظيم بكل المقاييس .. يوم تظهر فيه المعادن و النوايا .. تتكشف فيه السرائر .. يوم له ما بعده .. يومُ مُراجعة كونية ، و إعادة تنسيق و إنطلاق لأيام و أحقاب بعده .. يوم يشكل الحاضرو المستقبل في آن .. يوم إختاره الله ليكون تأسيساً لمستقبل نعيشه حتى الآن .. يوم قتل الأخ أخيه ،مدعيــاً الحق و إمتلاك الحقيقة ، مدعيـــاً الإصـــلاح و التغييـــر ... يوم قتل فيه الحسين بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت محمــد عليه الصلاة و السلام ، و قطعت راسه الشريفة و هو صائم ، راجياً فضل الله و ثوابه في هذا اليوم العظيم كما أقر جده الرسول ..يوم ذبحت فيه أسرة الرسول ، و بني هاشم .. يوم عاد فيه العرب إلى جاهليتهم .. يوم الإنقلاب و الإنقسام الأول على الشرعية و الحق.. مدعين كما إدعى آباؤهم و أبا سفيانهم و أبا جهلهم و أبا لهبهم ..بأنهم إنما بفعلهم هذا يتقربون إلى الله زلفى ..
أصبحت هذه عادة .. بدءاً من الأمويين إلى العباسيين إلى دويلات و إنشقاقات و إنقسامات ، كل يدعي الإصلاح و التغيير ، و كل يستخدم كتاب الله ، خوارجٌ تلو خوارج .. حتى يومنا هذا ، ومازال سيف البغضاء ، و الحقد الأعمي عامل في رقاب الإخوة ، و ما زال بأس العرب بينهم .. و هوانهم لأعدائهم ..
إنقسام في اليمن ، و إنقسام في السودان ، و إضطرابات و قتال ودماء و هتك أعراض في سورية و العراق ، رايات بكل الألوان ، و تأويل لكتاب الله ، و تلفيق لسنة رسول الله .. في سبيل الحكم و السلطان ، بشعار في سبيل الله ، و الإسلام هو الحل .. فأي إسلام و أي حل ، بل أي أخلاق و أي مبادئ .. إن من قتل الحسين ، هو من قتل أخيه في سورية و اليمن و سيناء ، و غزة .. قتلة الحسين و آل النبي في كربلاء ، مستمرون ... في طغيانهم ، و كذبهم و تدليسهم ، يرفعون المصاحف على أسنة الرماح ، مطالبين بالحاكمية لله ، و بالإصلاح ، و يذبحون الأوطان ، و يجوعون الناس .. الخوارج و أتباع مسيلمة و الأمويون .. مستمرون في تشويه الدين ، و تدمير الوطنية والهوية و الإنتماء .. مستمرون في الإنقسام و العربدة بإسم الدين .. هم ذاتهم ، قتلة الحسين و العباس و علي الأكبر يسبون حفيدات الرسول ، تماماً كما يسبون القدس و يحيطوها بكرب و غم .. هم بلاء على غزة هاشم جد النبي .. تماماً كما كانوا بلاء على عترة ونسل رسول الله .. و ثأر الله قادم لا محالة .