لأنها بالتأكيد ليست مناسبة سعيدة، لم تحظ الذكرى الخامسة والعشرون لتوقيع اتفاق أوسلو بالاهتمام الكثير.
سفير دولة الاحتلال لدى أميركا "رون درايمر" قال قبل أيام قليلة: الفلسطينيون يفقدون نفوذهم على العالم العربي .. "الدول العربية لم تعد ترقص على ألحان الفلسطينيين".
مع الانتباه الى ان هذا القول يأتي من ممثل رسمي للعدو المحتل، فهل يصح القول إن اتفاق أوسلو ونتائجه وتبعاته هو المسبب في حال التراجع العربي الحاصل فعلاً تجاه القضية الوطنية الفلسطينية ونضال شعبها؟
مع الإقرار أن اتفاق أوسلو مسبب رئيسي لهذه الحال، فانه يصعب القبول والتسليم بهذا القول كسبب حصري ومطلق.
القبول بهذا القول يعني تجاهلاً وإلغاءً لدور وتأثير طيف واسع من المسببات الأخرى التي عصفت بالبلدان العربية وكانت على درجة واسعة من التعدد والتنوع، إن لجهة الفكر او السياسة او الاجتماع او الحياة الديمقراطية او الأولويات او السياسات التحالفية او.. أو..
ولم يبق تأثير هذه المسببات محصوراً في أنظمة الحكم ولا في سياساتها ومواقفها، ولكنه وصل الى الجماهير وتنظيماتها السياسية والمجتمعية وانعكس على أولوياتهم وعلى وحدة مفاهيمهم ومواقفهم وانحيازاتهم، وعلى درجة فعلهم وتأثيرهم.
بل ان واحداً من مبررات اصحاب "اوسلو" في ذهابهم للاتفاق هو الحال الذي وصلت اليه احوال النظام العربي بشكل عام منذ بداية التسعينات من القرن الماضي.
وتزامن هذا المبرر مع المبرر الثاني المتمثل في التراجع الاستراتيجي في حال النظام العالمي وتوازن القوى فيه، بعد الذي حصل للاتحاد السوفياتي الحليف الاساسي وتفككه، ثم تفكك منظومة الدول الاشتراكية وحلف وارسو.
اما المبرر الثالث، وفي ضوء المبررين المذكورين، فكان اهمية وضرورة انتقال قوى ومؤسسات النضال الوطني الفلسطيني وقيادته الى الوطن لمواصلة النضال الوطني من على ارضه وبين اهله ومعهم.
نقطة المركز في اتفاق أوسلو انه حقق المساومة التاريخية بالاعتراف بدولة الاحتلال وحقها في الوجود وإمكانية التعايش معها.
وهو بالتالي وبالنتيجة رفع الحرج عن اي طرف عربي يقبل بوجود دولة الاحتلال، او يرى ضرورة التعايش معها، بعد ان كان مجرد القبول بوجودها على ارض فلسطين من الكبائر.
كل ما غير ذلك، وما نتج عن ذلك تفاصيل ونتائج شديدة الأذى طالت عناوين أصبحت معروفة ومتداولة وكلها تتعلق بقضايا مركزية في أهداف النضال الوطني الفلسطيني والحقوق التاريخية.
دولة الاحتلال لم تلتزم بأي بند من بنود الاتفاق. ثم، نفضت يدها من الاتفاق من أساسه.
حصل ذلك بشكل رسمي معلن، كما حصل بشكل عملي واقعي شديد العنصرية والتوسعية الاستيطانية والعدوانية.
وذهبت الى أبعد من ذلك عندما اغتالت رئيس وزرائها الذي قاد التفاوض واقر الاتفاق، ذهبت الى أبعد وأبعد عندما اغتالت القائد الفلسطيني المقابل له في الاتفاق.
بعد 25 سنة ماذا بقي من اتفاق اوسلو؟
لا يذكر اتفاق اوسلو الا وتُذكر معه المسالب، ويصل بها البعض الى الآثام.
ولا تذكر مع "أوسلو" ايجابية واحدة، حتى لو رأى البعض في عودة اكثر من 600 الف الى وطنهم إيجابية، وحتى لو اعتبر بعض آخر من الإيجابيات قيام نظام سياسي فلسطيني وما انجزه من حضور وطني ومؤسسات، ومن حضور واعتراف رسمي اقليمي ودولى وتمثيل سياسي و..و..فان الاتجاه السلبي الرافض للاتفاق يبقى هو الطاغي، ويبقى هناك رفض للاعتراف بأي ايجابية او انجاز للاتفاق.
وتبقى الأسئلة قائمة وملحة:
لماذا نحن لا نزال نعترف باتفاق أوسلو ولماذا لا نعلن انفكاكنا منه؟
لماذا لم نلغِ اعترافنا بدولة الاحتلال كما ألغت الاعتراف بمنظمتنا؟
لماذا نبقي على التزامنا باتفاق باريس الاقتصادي، وعلى التنسيق الأمني؟ ولماذا ولماذا..
واذا كانت الإجابة الرسمية ان هناك اتجاهاً جدياً للتجاوب مع دوافع الأسئلة ومضمون الإجابات المرجوّة لها، وان بعض القرارات اتخذتها الهيئات المركزية فعلاً بهذا الاتجاه، واذا كان التعذر بأن تنفيذها كاملة يحتاج الى استعدادات واحتياطات والى ظروف دولية وإقليمية مناسبة.
اذن لماذا لا تكون البداية في تطبيقات تدريجية وملموسة للناس؟ ولماذا لا يتم شرح وتوضيح الأمر للناس بشكل جدي ومسؤول ومقنع في نفس الوقت؟
ولماذا تبقى هذه الأسئلة محصورة في دائرة الخلافات السياسية ، وفي مجال التراشق بالاتهامات والمزايدات.
الى جانب ما تقدم، لماذا لا نلتفت الى ذواتنا ودواخلنا، هل نملك الجرأة الموضوعية للاعتراف ان "أوسلو" ليس المسؤول الأول او الوحيد عن كل أخطائنا وقصوراتنا، دون ان يعني هذا الاعتراف التبرئة التامة لـ "اوسلو" وتأثيراته حتى لو كانت غير مباشرة.
هناك اخطاء وتقصيرات وتراجعات ذاتية جمعية وانفرادية كثيرة وبعضها فادح، نحن بأوضاعنا وعلاقاتنا الداخلية وقصوراتنا من يتحمل المسؤولية عنها.
منها كأمثلة:
- الانقسام، نحن من نتحمل مسؤوليته. فالانقسام حصل بعد 13عاماً من اتفاق أوسلو، ومباشرة بعد ان شارك الكل الوطني في انتخابات عامة عميقة الديمقراطية وناصعة النزاهة والتزم الكل الوطني حتى الانصياع لنتائجها.
- نحن من يتحمل مسؤولية حصر اهتماماتنا في حدود أراضي السلطة الوطنية (الضفة والقطاع) والإهمال غير المبرر للتجمعات الفلسطينية في بلاد الشتات، ولجاليتنا في المهاجر.
- "أوسلو" ليس المسؤول الأول بل نحن، عن تراجع أوضاع منظمة التحرير ودورها ومسؤولياتها وتراجع الحياة الديموقراطية ودورية التجديد والتطوير فيها وفي هيئاتها، وفي معظم تنظيماتها السياسية المكونة أيضا.
- نحن المسؤولون عن حال التكلس والموات في اتحاداتنا الشعبية ونقاباتنا داخل الوطن وخارجه (باستثناء مجالس الطلبة في جامعات الضفة، فلها التحية). والمسؤولون عن حال الضعف الشديد في فعل ومشاركة حركة الجماهير بكافة تعبيراتها المجتمعية، وعن الضعف في زخم الحياة الديمقراطية عموما.