بحث وزراء الخارجية العرب، اليوم الثلاثاء، الأزمة التي تواجهها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، خلال جلسة خاصة، عقدت بناء على طلب الأردن، وتأييد من فلسطين ومصر، وذلك قبيل انطلاق الدورة الـ150 لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري.
وحذر وزير الخارجية وشؤون المغتربين رياض المالكي، في كلمته امام الاجتماع، من خطورة ما تقوم به الولايات المتحدة الامريكية بوقف الدعم المالي للأونروا، مطالبا المجتمع الدولي بتأمين الموارد المالية اللازمة لموازنتها وأنشطتها على نحو مستدام يمكنها من مواصلة القيام بدورها.
وقال المالكي إن ما تقوم به هذه الادارة الامريكية بقيادة ترمب، هو محاولة لتصفية وتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها، واسسها الاخلاقية، من خلال تقويض حقوق الشعب الفلسطيني الاساسية وغير القابلة للتصرف، وعلى رأسها حقه في تقرير المصير وحق العودة للاجئين الى ديارهم التي شردوا منها عام 1948، وحقه في الاستقلال وتجسيد دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
وأضاف أن الولايات المتحدة استهدفت جميع هذه الملفات لتخفي اكبر جرائم حليفتها اسرائيل في نكبة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ 70 عاما، وبما يتسق مع رؤية اليمين الاسرائيلي المتطرف الذي يعمل على ترسيخ نظامه الاستعماري والعنصري في ارض دولة فلسطين، من خلال مجموعة من القوانين والممارسات العنصرية المقيتة والمشوهة، وآخرها ما يسمى "قانون القومية".
وأشار إلى ان الادارة الامريكية تستهدف حقوق الشعب الفلسطيني، لتنفيذ صفقة العصر قبل الاعلان عنها، ولفت إلى انها تستهدف الآن التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني بإغلاقها مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وقد رفضت سابقا تجريم الاستيطان، ورفضت الاعتراف بحل الدولتين، واسقاط قضية حدود 1967، كما قامت بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها إليها، وتحاول الآن إسقاط ملف اللاجئين والغاء حق العودة باعتباره الشاهد على أعمال الاقتلاع والقتل والتشريد والترحيل القسري والتطهير العرقي الذي رافق إحلال اسرائيل ومستوطنيها في المنظومة الدولية على حساب الشعب الفلسطيني، إضافة الى تجفيف الأموال عن "الأونروا" والمساعدات المالية عبر فرض منطق القوة والهيمنة وفرض إرادتها المساندة للاستعمار بما يؤسس لمرحلة من الفوضى ليس في منطقتنا فحسب وإنما على الساحة الدولية.
بدوره، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، ضرورة وضع خطة عمل متوسطة وطويلة الأجل للحفاظ على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" لمنع تكرار الأزمة الخاصة بالوكالة كل عام.
وحذر في كلمته من أن إضعاف الوكالة سيؤدي لإذكاء التطرّف وعدم الاستقرار في المنطقة، مشيرا إلى أن الدول العربية اضطلعت بمسؤوليتها في إطار قدراتها لدعم الوكالة، لكننا نحتاج لخطة عمل قصيرة الأجل وطويلة الأجل للحفاظ على دورها الذي تقدمه.
وأكد أنه مع اقتراب الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة، يجب التركيز على عدم الانتقاص من ولاية وكالة "الأونروا" التي يجب أن تستمر على نفس الأسس التي أنشئت من أجلها.
ودعا وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي، إلى ضرورة الحفاظ على وكالة "الأونروا" ومواصلة دورها الهام لتلبية احتياجات اللاجئين الفلسطينيين ووضع خطط طويلة الأجل للحافظ على استمرارية دورها الهام ومواجهة العجز المالي للوكالة .
ونبه الصفدي في كلمته إلى أن وكالة "الأونروا" تواجه أزمة مالية حادة، تهدد قدرتها على الاستمرار في القيام بدورها وفق تكليفها الأممي، معتبرا أن ذلك يشكل تحديا يتطلب جهودا استثنائية لمواجهته.
وأكد أن الحفاظ على "الأونروا" ودورها مسؤولية قانونية وسياسية وأخلاقية إزاء أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني ، موضحا أن حماية "الأونروا" يعني حماية حق هؤلاء اللاجئين في العيش بكرامة وحماية حق أكثر من 560 ألف طفل فلسطيني في التعليم، وملايين غيرهم في الخدمات الصحية والمعونات الإغاثية.
وشدد الصفدي على أن دعم الوكالة موقف لا بد من أخذه واضحا ثابتا تأكيدا على أن قضية اللاجئين قضية من قضايا الوضع النهائي، تحسم وفق قرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمها القرار 194، ومبادرة السلام العربية، وبما يضمن حق اللاجئين في العودة والتعويض.
وأشار إلى أن الأونروا واجهت ضغوطات مالية في السابق، لكن الأزمة تفاقمت هذا العام نتيجة قرار الولايات المتحدة الأمريكية وقف دعمها للوكالة.
ولفت الصفدي إلى أن الاردن أكبر مستضيف وداعم للاجئين الفلسطينيين، حاولت إقناع الولايات المتحدة الإبقاء على الدعم وعرضت التعاون معها على تحقيق توزيع أكثر عدالة للعبء.
وأشار إلى أن الأردن نظم بالتعاون مع مصر والسويد والاتحاد الأوروبي مؤتمرا في روما في شهر مارس الماضي لحشد الدعم لوكالة "الأونروا"، ولبحث سبل التوافق على آلية مستدامة لتوفير احتياجاتها وبصورة تحقق مشاركة أوسع في تحمل الأعباء، ونجح المؤتمر في الحصول على دعم مالي إضافي فاق 100 مليون دولار.
وقال الصفدي "إن عدة دول شقيقة وصديقة استجابت لدعوات دعم الوكالة، فبلغت قيمة الدعم الإضافي منذ ذلك أكثر من 200 مليون دولار، ما خفض العجز المالي لهذا العام من 417 مليون دولار إلى حوالي 200 مليون دولار، لكن، للأسف لم تنجح جهود إقناع الولايات المتحدة الإبقاء على الدعم وبقيت قيمة العجز كبيرة".
وأعلن أن الأردن ستنظم بالتنسيق مع مصر وفلسطين، وبالتعاون مع السويد وألمانيا واليابان والاتحاد الأوروبي، وتركيا بصفتها الرئيس الحالي للجنة الاستشارية للوكالة، اجتماعا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري، بهدف تأكيد الدعم السياسي للوكالة ودورها وفق تكليفها الأممي، وإيجاد دعم إضافي يسد العجز في موازنة العام الحالي، وبحث سبل ضمان توفير الدعم للسنوات القادمة وفق خطة مالية ومنهجية عمل فاعلة.
وثمن الصفدي في هذا السياق الدعم للوكالة الذي عبرت عنه أكثرية دول المجتمع الدولي، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي أعلنت فيه واشنطن وقف تمويل الأونروا، كان هناك موقف دولي متنامي لدعمها، منوها في هذا الإطار بالجهد الكبير الذي بذلته مصر لحشد الدعم للوكالة وإلى أن الدعم الإضافي الذي قدمته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر (50 مليون دولار من كل منهم) وأيضا الكويت، أسهم بشكل كبير في تخفيض العجز لهذا العام.
وشدد على ضرورة الحفاظ على "الأونروا" كضرورة لبناء السلام والاستقرار في المنطقة، محذرا من أن الفشل في حماية الوكالة ودورها كاملا له تبعات خطرة على أمن المنطقة، خصوصا مع تعمق مشاعر الغضب واليأس وزيادة احتمالات تفجر الأوضاع جراء استمرار غياب آفاق إنهاء الاحتلال وتلبية حق الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة المستقلة.
وأكد أن الأردن ستستمر في العمل مع الأشقاء في الدول العربية ومع المجتمع الدولي لإسناد الوكالة سياسياً وماليا، وللتأكيد على أهمية استمرارها في القيام بدورها، وسيتم العمل لضمان أن يكون التصويت على تجديد ولايتها العام القادم في الجمعية العامة وقفة دولية للتأكيد على أن للاجئين حقوقا حياتية وسياسية لا مساومة فيها.
بدوره، دعا نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، في كلمته إلى تعيين لجنة خاصة لبحث تمويل وكالة الأونروا، ومدير معني للتنسيق مع الشركاء لبحث كيفية استمرارية التمويل .
وقال الصباح: "سنقدم كل ما نستطيع وأن العرب لن يتقاعسوا عّن دعم الوكالة، ولكن يجب أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته والبحث عّن حل مستدام"، مشيرا إلى أن الكويت ستقدم ما يمّكن الوكالة من تسيير عملها ولكننا ننظر في كيفية استدامة عمل "الأونروا".
ومن جانبه، أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في ختام الجلسة، أن العرب لن يتخلوا عن الاونروا ، معربا عن تطلعه لوضع خطة شاملة للتعامل مع أزمة الوكالة بصفة دائمة.
وناقش الوزراء العرب خلال الجلسة، الحملة التي تتعرض لها الوكالة من أجل تقليص أو إلغاء دورها، وكذلك سبل دعم "الأونروا" ماليا في ضوء القرار الأمريكي الأخير بوقف المساهمات المالية الأمريكية في ميزانية الوكالة السنوية
واستعرض خلال الجلسة المفوض العام للوكالة بيير كرينبول أوضاع الوكالة واحتياجاتها وانعكاسات الأزمة المالية على الخدمات التي تقدمها للاجئين الفلسطينيين.
وترأس وفد فلسطين في الاجتماع، وزير الخارجية وشؤون المغتربين رياض المالكي، وسفير فلسطين لدى مصر، مندوبها الدائم لدى الجامعة العربية دياب اللوح، ومدير الشؤون العربية بالخارجية المستشار أول فايز أبو الرب، والسفير المناوب بالجامعة العربية مهند العكلوك، ومدير مكتب الوزير المستشار أول محمد أبو جامع، والمستشار تامر الطيب، والمستشارة جمانة الغول، من مندوبية فلسطين بالجامعة العربية .


