كثيرا هم من رفضوا تلك الصفقة ، بل ربما رفضها الكل ان جاز التعبير ، اليوم وقبل سنوات وحتى منذ اللحظة الاولى التي عادت فيها قواتنا الى الارض المحتلة كان لزاما على تلك القوات العمل بكل قوة للوصول الى الدولة وسرعة الانتهاء من المرحلة الانتقالية التي حددت في حينه بخمس سنوات فقط بعدها تقوم دولة فلسطين .
كان هذا احد اسباب قبول فكرة التجزئة في اوسلو التي اعترض عليها الكل ، لا يمكن ان نتحدث عن اوسلو دون الحديث عن حركة فتح فلقد حملت فتح على عاتقها بناء السلطة الوطنية وصولا الى الدولة ولكن هنا حدثت لفتح كارثة استطاعت ان تتجاوز جزء منها ولكنها كانت سببا كافيا لترهل مؤسسة كبيرة وعظيمة وبناء قوي اخذ على عاتقه بناء الدولة الفلسطينية .
في عام 1994 عادت القوات الى غزة واريحا لتبدأ مرحلة الاعداد للدولة ، و واجهت فتح تحديا كبيرا وعظيما في الحفاظ على مؤسسات السلطة التي بدأت بإنشائها فعمل ابناء التنظيم في السلطة موزعين على سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية فحدث الاشتباك مابين تلك المؤسسات وما بين أفراد المؤسسة لان كلا منهم حاول بطريقته الخاصة بناء الوطن .
لكم ان تتخيلوا جميعا تنظيم كبير كيف له أن يتوزع افراده على المؤسسات في اللحظة التي رفض فيها الكثيرون الالتحاق بالسلطة بحجة انهم ضد اوسلو ولن ادخل هنا في تفاصيل كثيرة فكلنا عايشنا تلك المرحلة وكيف أثرت على التنظيم . نعود للسلطة الوطنية الفلسطينية فلقد نجحت اوسلو بكل عيوبها التي حرص البعض على تكرارها طوال تلك السنين على تحقيق انجازات مهمة فأنشئت مطارا ومؤسسات مدنية وعسكرية وجعلت اسرائيل تنسحب من مدن الضفة وجزء كبير من القرى و فعلت الممر الآمن مابين الضفة وغزة لتحقيق التواصل الجغرافي واقامت العديد والعديد من العلاقات الدولية المؤثرة و حررت عددا كبيرا من الاسرى وأعادت الآلاف من النازحين الى أرض الوطن وقامت ببناء المدارس والمستشفيات والطرق والمؤسسات العامة و الخدماتية وحرصت كل الحرص على ان يكون الكل سواسية تحت علم فلسطين وأسست لنظام ديموقراطي نجح ان يكون نموذجا عربيا خلاقا بعد وفاة الشهيد ياسر عرفات .
الآن وبعد كل تلك الانجازات المهمة يتكون لدينا سؤال مهم وهو هل كان هذا يروق كثيرا لاسرائيل ؟ وخاصة وانها ترى يوميا السلطة الفسطينية تقترب اكثر من الدولة ؟ بالطبع لا ولكن كيف يمكن لها ان تدمر كل هذه الانجازات ؟ لقد سعت اسرائيل بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الى تغيير قواعد اللعبة بشكل متسارع ووجدت في انتفاضة العام 2000 ضالتها فسرعان ما ادخلت في صراعها طائرات الأباتشي لتضرب بصواريخها مؤسسات السلطة الامنية ، كان هذا المشهد ينذر بقوة بنية اسرائيل في تغيير قواعد اللعبة .
لم تتوقف اسرائيل عند هذا الحد فأدخلت دباباتها الى مناطق ..أ.. والتي كان من المحرم عليها وفق الاتفاق العوده لها . وتسارعت الاحداث داخل الكيان لتنتهي حكومة اشعلت حربا وتأتي أخرى تكمل المسلسل بوحشية وبقرار يقول لا عودة للسلام . اوسلو تنهار ولا أحد يستطيع اعلان وفاتها أبدا اوسلو الآن منتهية وايضا لا احد يستطيع قول هذا لما يترتب عليها سياسيا ، رغم محاولة اسرائيل من الحين للآخر التلميح بهذا . الاجراءات على الأرض تعلن كل لحظة انتهاء أوسلو بل وتعزز كل يوم الاجراءات الاحادية الساعية الى عزل الضفة تماما وجعلها مجرد مدن رئيسية غير متصلة ومحاطة بجدار هو حدود حقيقية قرر المحتل ان يكون بقوته واقعا مستقبليا . شارون وضع حجر الأساس لكيانات فلسطينية متباعدة ليست أكثر من تجمعات سكانية تكون فيه وظيفة السلطة تأمين غذائهم فقط واعلن عن خطته بوضوح والتي كانت غزة جزء منها فقرر الانسحاب من هناك بشكل أحادي معلنا حربه على الضفة الغربية وياسر عرفات الذي كان يشكل هاجسا للعرب والأمريكان ولكل من هو ضد اقامة الدولة الفلسطينية . بعيدا عن تفاصيل عايشها الكل وبعد صراع طويل جدا وحربا شرسة جاءت الانتخابات الرئاسية والتشريعية ووافقت اسرائيل على ان تكون القدس جزء من الجغرافيا التي لا بد ان يمارس الفلسطيني فيه حقه في الاقتراع لم تكن تلك الاحداث سهلة على مؤسسات السلطة التي كانت منهارة تقريبا . استمرت اسرائيل وبشكل منهجي في تدمير المؤسسة الفلسطينية وفرض العالم حصارا ماليا على السلطة بعد نتائج الانتخابات الاخيرة وفي نفس الوقت استمرت اسرائيل برسم واقعا مؤلما في الضفة الغربية . لن نتحدث عن انجازات السلطة السياسية فهي كثيرة وتوجت بقيام الدبلوماسية الفلسطينية بنجاحها في الحصول على دولة فلسطينية بقرار أممي . الآن ماذا بعد 25 سنة من اوسلو الآن هناك جغرافيا منقسمة ومشتتة ولكن جزء من هذا صنعته يدنا لذلك لا يمكن الاستمرار بهذا الشكل ان كنا نسعى وصادقين في اقامة دولتنا المستقلة .
آن الاوان لنقول بكل قوة ودون خجل نعم حققت لنا اوسلو الكثير رغم كل ما فيها ورغم كل الانتقادات التي عليها ولكنها لم توقع لتكون مخرجاتها كما نرى بل وقعت لتكون هناك دولة وحدود واستقلال تام . كل ما يجب علينا الان القيام به وفورا لنرسم واقعنا بطريقتنا هو انهاء التفرد بنا وانهاء هذا التفرد بنا لن يكون الا بإنجاز وحدتنا أولا ثم ننطلق وبكل قوة لنحدد مساراتنا وأساليب المواجهة القادمة مع العدو .