الأسبوع الماضي أصدرت ما يسمى المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً يجيز لسلطات الاحتلال هدم قرية الخان الأحمر وتشريد سكانها، وحتى منعهم بالقوة من العودة إلى أي مكان في المنطقة للسكن فيه.
المحكمة الإسرائيلية ماطلت مدة طويلة في هذه القضية حتى أنهكت سكانها وأولئك الذين ما زالوا يأملون أن هناك قضاء في إسرائيل.
في قرارها حول الخان الأحمر أكدت المحكمة العليا ومعها القضاء الإسرائيلي بشكل عام أنها اليوم شريك أساسي والضلع الثالث في مثلث الكيان الصهيوني العميق ممثلاً بالسلطة التشريعية (الكنيست) والسلطة التنفيذية أي الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية وعنصرية. يلاحظ من يراجع القرارات التي أصدرتها «العليا الإسرائيلية» فيما يخص الاستيطان الاستعماري اليهودي في الضفة الغربية والقدس المحتلة منذ العام 1967 أنها تصب بشكل رئيس في مصلحة التهويد وتشريع قرارات النهب الاستيطانية.
حتى في مواضيع أقل أهمية من الاستيطان، عندما كانت هناك قرارات تخص قضايا فلسطينية، كان الضغط من السلطتين التشريعية والتنفيذية واضحاً، بل أكثر من ذلك تشكل لوبي استيطاني هدفه الأساسي العمل على تغيير القضاة الإسرائيليين في معظم المحاكم التي تهتم بالشأن الفلسطيني، أو لها حق التدخل بهذا الشأن.
في السنوات الخمس الأخيرة لاحظ المراقبون أن التعيينات التي تمت في الجهاز القضائي الإسرائيلي هي إما لأعضاء في اليمين العنصري الإسرائيلي، أو لمستوطنين. حتى أن هناك كثيراً من القضاة سواء في المحاكم المركزية الإسرائيلية أو حتى العليا الإسرائيلية هم أصلاً يقيمون في مستوطنات مخالفة للقانون الدولي ومخالفة لقرارات الأمم المتحدة. وهذه أيضاً جريمة أخرى ترتكبها السلطة الإسرائيلية المحتلة.
الانحياز التام للفكر الصهيوني الاستيطاني أصبح قيمة بالنسبة للقضاة الذين هم جزء من منظومة عميقة هدفها الأساس التهويد الكامل وربما التفكير في المستقبل بالدولة النقية.
قرار هدم الخان الأحمر يأتي بالفعل لتجسيد مفهوم الدولة النقية التي تقوم على أساس عدم وجود أي شخص أو كيان غير يهودي فوق الأرض أو تحت الأرض أو حتى المرور بالمنطقة. فالمنطقة الممتدة عملياً من شمال عناتا وشرق العيزرية وأبو ديس وصولاً إلى أريحا ومنطقة البحر الميت ستكون خالية من أي وجود فلسطيني بعد استكمال مشروع التهجير القسري للعائلات البدوية التي تقيم في المنطقة، وحتى الطرق التي أقيمت خلال العقود الثلاثة الماضية ستكون جزءاً من المنطقة المغلقة التي لن يسمح للفلسطينيين باستخدامها. سيكون البديل عن ذلك طريق المعرّجات الخطيرة. وسيكون هناك مخرج لسكان جنوب الضفة للوصول إلى طريق المعرجات، بمعنى أن حدود العيزرية ستكون نهاية الحدود الشرقية للفلسطينيين، ومن مدخل «معاليه أدوميم» حتى البحر الميت ستكون المنطقة خالية بشكل كامل من الفلسطينيين. بمعنى يهودية نقية! مسلسل مسرحية العليا الإسرائيلية سيتكرر أيضاً في جبل الريسان التابع لقرى رأس كركر، وكفر نعمة، وخربثا بني حارث بمحافظة رام الله والبيرة.
محكمة الاحتلال العليا قررت وقف أعمال الحفر والتجريف مؤقتاً حتى يتم البت في القضية. وهذا هو السيناريو نفسه الذي استخدمته هذه المحكمة وهؤلاء القضاة في الخان الأحمر. ربما بعد شهر أو شهرين ستبت هذه المحكمة في «القضية».. وستعود عمليات التجريف ولكن بشرعنة احتلالية وستكون هناك عدة طرق استيطانية جديدة تربط المستوطنات في منطقة غرب رام الله بالمناطق داخل الخط الأخضر لإيجاد تواصل بين المستوطنين ومدن الساحل وتفتيت الكيانات القروية الفلسطينية في المنطقة بشكل عام.
بعد 24 سنة على اتفاق أوسلو، هناك اليوم أكثر من 800 ألف مستوطن يعيشون في المناطق المحتلة عام 1967، نسبة عالية منهم في القدس المحتلة، التي نهش التهويد جسدها بشكل شبه كامل إلاّ من عدة أحياء متناثرة هنا وهناك وهذه الأحياء أيضاً لم تسلم من البناء الاستيطاني. فقد أعلنت سلطات الاحتلال عن إقامة مبان للمستوطنين في قلب حي بيت حنينا الفلسطيني، وبذلك ستكون هناك أقلية فلسطينية متناثرة من كبار السن لأن الأجيال القادمة بمن فيهم أطفال اليوم لن يكون لهم مكان يقيمون فيه لا من حيث السكن ولا من حيث إمكانية العيش.
القضاء الإسرائيلي كما الكنيست والحكومة مثلث متكامل في اغتيال القانون والشرائع الدولية، والتصرف بمنطق الغاب والقوة.. أما أولئك الضعفاء فليس لهم لهم مكان في هذه الغابة الاستيطانية. هي حرب استنزاف استيطانية بدأت في العام 1967 بشكل بطيء كالسلحفاة ولكنها في العام 2018 سيطرت على معظم مناطق الضفة الغربية والقدس المحتلة.
abnajjarquds@gmail.com