كم فشلاً يلزم القيادة الرسمية إجراء المراجعة المطلوبة؟.. معتصم حمادة

السبت 01 سبتمبر 2018 09:00 م / بتوقيت القدس +2GMT



يكاد المراقبون أن يتفقوا على وصف النظام السياسي الفلسطيني، بأنه يشبه سفينة، يقودها قبطان، لا يملك بوصلة ولا خرائط، تتلاطمها الأمواج، في ليل دامس، يحجب النجوم عن ناظريها، فلا يتم الاهتداء بها، وفي نهار ضبابي، تغطي غيومها السماء المكفهرة، والبحر الواسع، بلا علامات أو إشارات.

أما السفينة فبات شعارها: سيري فعين الله ترعاك وبات الانتظار والترقب هو السائد فيه، بانتظار ما يمكن أن يحمله قادم الأيام.

وفي التشخيص العملي لواقع النظام السياسي والحالة الرسمية الفلسطينية يرسم المراقبون المشهدية التالية:

 -1 الإدارة الأميركية ماضية في تنفيذ «صفقة العصر» خطوة خطوة. تخطو الخطوة الأولى، ثم تتوقف وترامب ردود الفعل وبعدها، وعلى وقائع ردود الفعل هذه، تخطو الخطوة التالية، أعلنت اعترافها بشرعية الاستيطان، بذريعة أن المستوطنات سوف تضم، في نهاية المطاف إلى إسرائيل، وبذريعة أن الطرفين، إسرائيل والقيادة الرسمية الفلسطينية، اتفقا على مبدأ «تبادل الأرض» في مفاوضات الحل الدائم.

وهدف التبادل، كما هو معروف للقاصي والداني، «الاعتراف بحق إسرائيل في ضم مستوطناتها إليها» وانتظرت إدارة ترامب ولما كانت ردود الفعل، الرسمية الفلسطينية والعربية باهتة، خطت خطوتها الثانية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وترقبت، ولما كانت ردود الفعل لا تتجاوز بيانات الشجب والاستنكار، ولم ترقَ إلى مستوى الحدث بإجراءات عملية، خطت خطوتها التالية بنقل السفارة الأميركية الى القدس.

وفي السياق نفسه وفي ظل الأجواء نفسها، أجواء ردود الفعل الكلامية، بالبيان والتصريح، والأحجام عن أية خطوة عملية رادعة، انتقلت الإدارة الأميركية الى فتح ملف حق العودة واللاجئين، حجبت الأموال عن «الأونروا».

ودعت إلى إعادة تعريف اللاجئ، كمدخل لإلغاء وجود ستة ملايين لاجئ، وإلغاء القضية في السياق، وهي الآن بصدد التحضير لقرار رئاسي، على غرار قرار الاعتراف  بالقدس، يلغي من جانب الولايات المتحدة رسمياً حق العودة وهكذا تكون الولايات المتحدة قد طالت ثلاثة ملفات كبرى، هي محور أية مفاوضات: الأرض ( وفي القلب منها المياه والحدود) والقدس (وفي القلب منها مسألة الدولة الفلسطينية) واللاجئون  (وفي القلب منها حق العودة وتقرير المصير) وتبقى بناء عليه القضايا الأخرى، التي يصبح من السهل البت بها مادامت القضايا «الكبرى والشائكة» قد أريحت من طاولة المفاوضات.

2- رد الفعل الفلسطيني الرسمي على هذا لم يتجاوز الحديث عن مقاطعة الولايات المتحدة ماعدا الحفاظ على العلاقة بين جهاز المخابرات في السلطة الفلسطينية، ووكالة المخابرات الأميركية، بذريعة الاشتراك في مكافحة الإرهاب (دون أن توضح الجهات المسؤولة في السلطة الفلسطينية ما هو تعريفها للإرهاب وفيما إذا كان هذا التعريف يتطابق مع تعريف المخابرات الأميركية والإسرائيلية) له، ولا نعتقد أن مسألة مكافحة الإرهاب مجرد مسألة أمنية تقنية حرفية بل هي مسألة سياسية من الطراز الأول.

وعند الحديث عن مكافحة الإرهاب في المناطق الفلسطينية المحتلة، فإن المعنى واضح: تعاون ثلاثي، بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية والمخابرات المركزية الأمريكية.

ولا نعتقد أن المقصود بالتعاون هذا، مطاردة خلايا داعش (غير الموجودة في الضفة)، ولا داعي للتذكير إن محور هذا النشاط هو صون الأمن الإسرائيلي ولعل هذا ما يفسر حرص الولايات المتحدة على الالتزام بدعم الجهاز الأمني للسلطة الفلسطينية بمبلغ 100 مليون دولار سنوياً، واعتبار هذا الدعم «مقدساً» مادام التنسيق والتعاون الأمني، من قبل السلطة، مع الاحتلال ومع المخابرات الأميركية، «مقدساً» هو الآخر.

3- تستمر حكومة نتنياهو في توسيع مشاريع الاستيطان، في القدس أولاً، وقبل كل شيء، بوتائر متسارعة، وكأنها محاولة لكسب الوقت وعدم إضاعة دقيقة ولو واحدة من الفرص السائحة وفي مناطق مختلفة من الضفة الفلسطينية، بل وتشرع إسرائيل بالعمل على استحداث مستوطنات، أو بؤر استيطانية جديدة، كلما وقعت عملية فلسطينية ضد إسرائيلي (مستوطناً كان أم جندياً) طبعاً ليس بهدف «ردع» العمليات الفدائية من طعن وغيرها، بل بهدف استغلال الصراع القائم، وتصعيده، واستغلاله، والتسلل من بين تفاصيله، لتنظيم أوسع حملة استعمار استيطاني، تندفع بسرعة فائقة في رسم وقائع ميدانية على الأرض، تخدم مشروع «الدولة الصهيونية الكبرى» وتفرض الظروف المناسبة لإفراغ المفاوضات من مضمونها، بعد أن يتم «حل» القضايا التفاوضية بقوة الأمر الواقع، ميدانياً، ومن جانب واحد.

في الوقت نفسه تواصل سلطات الاحتلال تقزيم دور حكومة السلطة الفلسطينية، وفرض الحصار عليها أكثر فأكثر، حتى أصبحت مجرد إدارة يومية، لا تملك مقومات الحكومة ذات الولاية القانونية والسياسية المعترف بها رسمياَ ومن يتابع أداء حكومة السلطة الفلسطينية سيلاحظ مدى حالة الجمود التي تصيب مؤسساتها.

فاجتماع الحكومة لا ينتج عنه سوى بيان مطول، هو أقرب إلى البيان السياسي منه إلى بيان عن عمل حكومة ووزرات، محشو بعبارات التأييد لمؤسسة الرئاسة، والشجب والاستنكار لسياسة الاحتلال.

أما في ثنايا البيان فقلما يجد المراقبون إشارة إلى إطلاق مشروع تنموي، أو صناعي، أو تربوي، أو صحي، أو غيره وهو الأمر نفسه الذي يلاحظه المراقبون عند متابعة أعمال وزارة الخارجية، التي تحولت هي الأخرى إلى مجرد مكتب إعلامي لإصدار البيانات الصحفية، يطالب فيها الدول الصديقة بمواقف إزاء السياسة الإسرائيلية، ما زالت السلطة الفلسطينية نفسها تحجم عن اتخاذها.

أما دائرة المفاوضات (المعطلة مفاوضاتها منذ تاريخ نسيه المراقبون ـــ ربما العام2016 ) فهي تحولت أيضاً إلى مكتب إعلامي يطالب الدول الصديقة «بتحديد» موقفها من إسرائيل، بينما قرارات «تحديد العلاقة مع إسرائيل»، كما اتخذها المجلسان المركزي والوطني، ما زالت معطلة، وكأن المؤسسة الفلسطينية تطالب الآخرين بأن يكونوا فلسطينيين أكثر من المؤسسة الفلسطينية نفسها.

4-  بالمقابل يلاحظ المراقبون أن مشروع نتنياهو، وبات يدعى «السلام الاقتصادي»، يتقدم إلى الأمام بخطى ثابتة بالتعاون الوثيق مع السلطة الفلسطينية ووزاراتها المختلفة, فقد كشفت مصادر أوروبية في رام الله عن «خطة اقتصادية» للضفة الفلسطينية تتبناها حكومة نتنياهو، ونوقشت في العواصم الأوروبية في جولة لوزير المال الإسرائيلي كحلون، يتم الآن بحثها بين الجانب الإسرائيلي ونظيره الأميركي ومع الثنائي كيشنر ـــ غرينبلات، في إطار «صفقة العصر»، ولأجل توفير الدعم المالي اللازم لهذه الخطة.

وأكدت المصادر الأوروبية أن مشروع كحلون تمت مناقشته مع مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية بعيداً عن الأضواء، رغم حديث السلطة أنها تقاطع حكومة نتنياهو، ورغم قرارات المجلسين المركزي والوطني بإعادة تحديد العلاقة مع إسرائيل.

وأكدت المصادر الأوروبية أنه سيكون ضمن الخطة الاقتصادية، مد شبكة مواصلات في جميع أنحاء الضفة الفلسطينية وصولاً إلى قطاع غزة، للربط مع المطار والمرفأ حين إقامتهما، وأن الهدف من الخطة تعزيز العلاقات الاقتصادية، الإسرائيلية، الفلسطينية وتعميق الاندماج بين الاقتصادين، ومن ضمن ذلك إنشاء مناطق صناعية مشتركة وإدخال تغيير على أساليب الحواجز وحركة الاستيراد والتصدير.

في الوقت نفسه ما زالت قرارات المجالس المركزية والوطنية واللجنة التنفيذية، وخطط اللجان المتخصصة بشأن تحديد العلاقة مع إسرائيل معطلة بل تسلك حكومة السلطة الفلسطينية سياسة معاكسة تماماًن عبر الخطط المذكورة أعلاه، وعبر التزامها التنسيق الأمني، ما يجر إلى السؤال حول من في النظام السياسي الفلسطيني صاحب القرار؟ وما هي القرارات الملزمة؟ وما هو دور المجلس المركزي وصلاحياته؟ وما هي حدود الصلاحيات بين مؤسسة الرئاسة (رئاسة السلطة) وصلاحيات مؤسسات م.ت.ف وبالتالي كيف يدار الشأن العام الفلسطيني، سياسياً، واقتصادياً، وأمنياً؟ وما هي وسائل المراجعة، ومحطات المساءلة، ومن يسائل من؟ كلها أسئلة، يقول المراقبون، إن الفوضى في النظام السياسي الفلسطيني، تقف حائلاً دون للوصول إلى أجوبة واضحة، وإلى رسم ملامح للنظام السياسي الفلسطيني، ومدى تطابقها مع الأنظمة والقوانين المتوافق عليها  وطنياً.

5- يزيد الأمور تعقيداً، كما يرى المراقبون، حالة الانقسام بين فتح وحماس، التي تزداد تجذراً، رغم المحاولات المضنية  للقوى الوطنية والديمقراطية، وبعض العواصم العربية في مقدمها القاهرة، لوضع حد لهذه الحالة، وإنجاز الوحدة الداخلية. وفي ظل الانقسام، وبذريعة مقاومة الانقسام، تندفع السلطة الفلسطينية في اتخاذ قرارات، من شأنها أن تزيد الأمور تعقيداً، كقرارها حجب رواتب الموظفين والأسرى والشهداء في قطاع غزة، وتعطيل قرار المجلس الوطني في 30/4/2018  بإلغاء هذا القرار.

والانقسام، من شأنه أن يبدد جهود وتضحيات الحركة الشعبية، وبشكل خاص تضحيات مسيرات العودة وكسر الحصار، التي يلاحظ المراقبون أن الحوار الجاري للتهدئة بين فتح ومن جهة وحماس من  جهة أخرى، تجاهل كل هذه التضحيات، وانحصر جزء كبير من النقاش في البحث عن مصالح جزئية على حساب المصالح الكبرى.

خاصة في ظل مفارقات مثيرة للأسى فالتهدئة، في قطاع غزة، دون إشراك السلطة الفلسطينية «خيانة»، أما التنسيق الأمني مع سلطات الإحلال، ولأنه تحت سقف السلطة فهو مقدس فضلاً عن ذلك يذهب الأطراف إلى فبركة معلومات مزورة، لجر القضية نحو مصالح محورية كالحديث عن جزيرة عائمة لقطاع  غزة أو مرفأ للقطاع في الجانب اليوناني من قبرص، يقابله مرفأ آخر في الجانب التركي أو الحديث عن ممر مائي.

وكلها معلومات تحاول أن تثقل قضية التهدئة، وأن تصبغ عليها الطابع السياسي، في تجاهل تام لضرورة  الوصول إلى تهدئة، في إطار وطني جامع (بعيداً عن هيمنة أي من الأطراف) دون تنازلات سياسية، في سياق اتفاق 2014، وبما يكفل الالتزام الإسرائيلي بفك الحصار، وفتح المعابر كلها، وإطلاق حرية الاستيراد والتصدير، وحرية الحركة لأبناء القطاع، بما ذلك «الممر الأمني» مع الضفة الفلسطينية، ومعبر رفح مع الجوار المصري وفي نهاية المطاف تتحول قضية التهدئة إلى مجرد صراع على السلطة، يكون الناس هم وقود ناره المدمرة، في تجاهل وإنكار تام لما تمّ التوقيع عليه.

5- هل يستمر الوضع الفلسطيني على حاله من التمزق والفوضى والانزلاقات الخطيرة؟ وهل هكذا يكون رص الصفوف لمقاومة «صفقة العصر»؟

يقول المراقبون إن الحالة الرسمية الفلسطينية باتت في وضع مكبل بالقيود السياسية والاقتصادية والأمنية ولم يعد ممكناً كسر هذه القيود بالعودة فقط إلى المؤسسة الفلسطينية.

 فالمؤسسة اتخذت في المجلسين، المركزي (2015+ 15/1/2018 ) والوطني (3/4/2018) قرارات مهمة، من شأنها أن تعيد التوازن إلى الحالة الفلسطينية، وأن تحررها من قيود أوسلو وغيره.

 لكن القضية تكمن في الخلل في العلاقات الوطنية وهو خلل لا يمكن معالجته بالمناشدة، بل بالضغط الشعبي، فقد بات الشارع، وحقه في التحرك السياسي دون عوائق، هو ميدان الصراع الديمقراطي، انتصارا لقرارات التوافق الوطني في المجلس المركزي ( 2015+ 15/1/2018   ) والمجلس الوطني في 30/4/2018 .