رغم الحديث عن امكانية التوصل الى اتفاق تهدئة بين اسرائيل و حماس ، وما يتبعه من تراشق اعلامي يصل في بعض الاحيان الى حد الردح الذي لا يليق بالشعب الفلسطيني و قضيته المقدسة، وعلى الرغم من تبادل الاتهامات التي تصل الى حد التخوين ، الا ان الاتفاق حتى الان ما زال بعيد المنال و ان العوائق ما زالت كبيرة ، و الخلافات ما زالت جوهرية.
ان لم يكن كل ذلك كافيا ، فأن هناك سببا اخر يجعل الامور اكثر تعقيدا ، حيث غزة مرة اخرى ستدخل سوق المزايدات للانتخابات الداخلية للاحزاب الاسرائيلية ، التي اصبح من المرجح تقديم موعدها لمطلع العام القادم ،خاصة الاحزاب اليمنية حيث السباق على من يتخذ مواقف اكثر عدائية و اكثر تشددا و تطرفا تجاه غزة .
خلال الايام الاخيرة كانت هناك تصريحات عنترية من قبل وزراء و اعضاء كنيست تنتقد ضعف نتنياهو و خنوعه في مفاوضات التهدئة و تطالب بتوجية ضربات لحماس بدل التفاوض معها، اما ليبرمان فقد تحول الى اضحوكة لدى السياسيين نظرا لتهديداته العنترية قبل ان يتم تعيينه وزيرا للدفاع حيث يذكرونه بتصريحاته التي كان يقول فيها انه بعد تعيينة بأقل من ثمانية و اربعين ساعة سيكون قد اغتال ابو العبد هنية اقتلع حماس من غزة.
ليبرمان يتخذ في الايام الاخيرة مواقف اكثر تطرفا تجاه مفاوضات التهدئة حيث قال بانه لا علم له بهذه المفاوضات و لا يشارك بها و هو ضدها. تصريح يعكس التغيير المرتقب في لهجة المسؤولين الاسرائيليين تجاه امكانية التوصل الى تهدئة في ظل اجواء انتخابات ستكون غزة و كيفية التعامل معها هي احدا المواضيع الرئيسية خلال الاشهر القادمة.
على اية ، المزايدات الاسرائيلية الداخلية في ظل اجواء انتخابية مقتربة ليست هي العقبة الرئيسية او الوحيدة التي تعيق التوصل الى اتفاق تهدئة بين اسرائيل وحماس .
هناك عقبات اكثر جدية قد تكون عائق امام التوصل الى تهدئة تكون مقبولة على كافة الاطراف.
العقبة الاولى هي موقف السلطة التي تعتبر التوصل الي اتفاق تهدئة بين حماس و اسرائيل هو مؤامرة على المشروع الوطني و جزء من تنفيذ صفقة القرن و تجاوز لمنظمة التحرير التي تعتبر الممثل الوحيد للفلسطينيين و المخول بالتفاوض و التوقيع باسم الفلسطينيين.
و العقبة الثانية ان اسرائيل اذا ما تم الاتفاق مع حماس بوساطة مصرية او اي وساطة اخرى لا ترغب او لا تريد تجاوز السلطة و الرئيس عباس و تفضل ان تكون السلطة موجودة و هي التي تشرف على الخطوات التي تلي توقيع الاتفاق. الموقف الاسرائيلي هذا و الذي يعتبر اكثر المتحمسين له هو نداف برغمان رئيس جهاز الشاباك نابع من التقدير بأن الذهاب في تهدئة مع حماس سيغضب و يضعف سلطة الرئيس عباس و سيمس بالوضع الامني في الضفة ، وبالتالي قد تخسر اسرائيل حالة الهدوء السائدة في الضفة الان. لكن المشكلة الاسرائيلية هي انه لا يوجد لديهم موقف كيف سيتصرفون في حال تذليل العقبات مع حماس و استمرار رفض الرئيس عباس. و كذلك لا يوجد لديهم موقف كيف سيتصرفون في حال اقدم الرئيس عباس على اجراءات جديدة في غزة ردا على اتفاق التهدئة المفترض.
العقبة الثالثة التي تعيق توقيع الاتفاق هو الموقف المصري الذي يفضل ان يتم اتمام المصالحة الفلسطينية الداخلية قبل ان يتم انجاز اتفاق التهدئة او على الاقل بشكل متوازي. مصر لا تريد ان تُتهَم بانها تعمق الانفصال و تعمق الانقسام بين غزة و الضفة .
لكن ايضا مصر لا تملك اجابة ما الذي يجب ان تفعله في حال عدم انجاز ملف المصالحة قبل انجاز ملف التهدئة. هل ستتجاوز السلطة و تتجاوز الرئيس عباس و بالتالي حرق ما تبقى من جسور بين الطرفين ؟ وماذا لو تم التوصل الى اتفاق تهدئة بين اسرائيل و حماس و في حال نفذ الرئيس ما نسب اليه من تهديدات باتخاذ مزيدا من الخطوات تجاه غزة؟
العقبة الرابعة وهي ملف الاسرى. على الرغم ان اسرائيل وافقت بناء على اصرار حماس باجراء مفاوضات منفصلة حول الاسرى بمعزل عن ملف التهدئة الا ان الموقف الاسرائيلي هو عدم الاقدام على اي خطوات جوهرية لتغيير الوضع الانساني في غزة قبل ان يتم اغلاق هذا الملف.
حتى الان ما زال الفارق كبير بين ما تطلبه حماس و بين استعداد اسرائيل للتنازل عنه. الي ان يتم تقليص هذا الفارق و التوصل الى صفقة لتبادل الاسرى لن يحدث التغيير المنشود .
على اية حال حديث قائد حماس ابو ابراهيم السنوار في غزة امس مع الصحفيين و الكتاب وقبل ذلك اللقاءات المتلفزة لقيادات من السلطة و حركة فتح يشير الى ان الطريق ما زالت وطويلة، سواء كانت الطريق التي تؤدي الى اتفاق تهدئة او الطريق التي تؤدي الى المصالحة و انهاء الانقسام.
مع ذلك اسرائيل تدرك ان صيغة الهدوء مقابل الهدوء مع تقديم بعض التسهيلات الطفيفة لن تقبلها حماس و لن تقبلها الفصائل الفلسطينية في غزة ، و كذلك مصر تدرك رغم تجنبها الاقدام على خطوات بعيدا عن السلطة الا ان الوضع في غزة لا يمكن ان يستمر على ما هو عليه الان.
الى ذلك الحين سيواصل القادة و المسؤولين الحديث عن المؤامرات و عن المشروع الوطني و حمايته ، سيواصلون الصراع على الشرعية و التنافس على احقية التفاوض و التوقيع والتمثيل و سيواصلون اتهام بعضهم البعض بالخيانة و التآمر على القضية الوطنية.
الي ذلك حين ستبقى غزة بدون ماء و بدون كهرباء و بدون ميناء و بدون مطار و بدون اتفاق تهدئة او اتفاق مصالحة. سيواصل الناس جر خيبات املهم و يبكون عجزهم و يندبون حظهم ، غارقين في الفقر و البطالة و ظلم ذوي القربى.
Dr.sufianz@gmail.com