يمر المشهد الفلسطيني بتطورات سياسية ربما هي الأكثر سخونة منذ سنوات، بعضها إيجابياً والآخر يحمل بين طياته خطوات قد تكون الأخطر فيما يتعلق بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، فمنذ تولي ترامب و حكومة العدو الإسرائيلية تسعى لتثبيت وقائع ميدانية وأخرى سياسية، مستثمرة حالة التناغم العالي مع الإدارة الأمريكية، فكانت البداية بتطبيق قرار نقل السفارة وليس انتهاءً بالتوجه الأمريكي بتوصيف من هم اللاجئين.
أمام تعقيدات المشهد يرتكز الحراك بصورة فاعلة تجاه قطاع غزة، والذي نجح من خلال المبادرة بمسيرات العودة وكسر الحصار ومفاعيله الشعبية ، واعتماد سياسة الرد الفوري على الاعتداءات الإسرائيلية بحق مقدرات المقاومة الفلسطينية، بأن يفرض نفسه على طاولة صناع قرار العدو الإسرائيلي، ويفشل تقديرات الاحتلال بأن مواصلة الحصار على قطاع غزة سيولد انفجاراً داخلياً في وجه المقاومة، ويثبت بأن كل مشاريع التصفية لقضية فلسطين لن تنجح في شطب الشعب الفلسطيني حتى لو غلفت بسطوة الولايات المتحدة.
نتيجة لحراك قطاع غزة الميداني سارعت أطرافاً سياسية متعددة بالعمل على تخفيف الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وهدف العدو إلى عدم تحول القطاع إلى جبهة استنزاف شعبية متواصلة ترهق جيشه الذي ينشغل في الخطر الاستراتيجي القادم من الشمال في جبهتي جنوب لبنان والجولان، ومنع الانفجار الفلسطيني تجاه الأراضي المحتلة عام 48.
الجهد السياسي المبذول تجاه قطاع غزة، لا يؤثر على تطوير قدرات المقاومة الفلسطينية ومراكمة القوة، بل يحافظ على حاضنته الشعبية التي تعيش حالة من الحصار المتواصل منذ أربعة عشر عاماً، ولا يوجد مقابله ثمن سياسي، وهو جزء من فلسفة التهدئة بين المقاومة والاحتلال في مرات عديدة وخاصة منذ انتفاضة الأقصى عام 2000 وانتهاءً بتهدئة 2014 قبل أربع سنوات.
ثمة شيطنة وهجوم إعلامي من قبل السلطة الفلسطينية للحراك السياسي الدائر حول قطاع غزة، وهذا متوقع من قبلها فهي تشيطن الفعل المقاوم وتنعته بالإرهاب، وتعمل بكل بسالة وبالتعاون مع العدو على ملاحقة أي فكرة ممكن أن تساهم في نهوض العمل ضد الاحتلال في الضفة الغربية، كما أن الحراك يؤكد المؤكد بأن المسار السياسي للرئيس عباس فاشل ولا يمكن لهذا المشروع بأن يقود حالة نضالية حقيقية تساهم في مشروع التحرير.
لا يمكن تفسير السلوك السياسي للرئيس عباس تجاه قطاع غزة، إلا في اتجاهين؛ الأول هو فشل خطواته في جلب فصائل المقاومة لبرنامجه السياسي وسقفه الأعلى وثيقة" عباس بيلين" عام 1995، وهي أدنى بكثير من فكرة حدود 67 المرفوضة فلسطينياً باستثناء حركة فتح وبعض الفصائل ضعيفة التأثير في المشهد السياسي الفلسطيني.
والثاني للتغطية على حالة الصمت تجاه ما تتعرض له الضفة الغربية من قضم للأراضي عبر مشاريع الاستيطان المتواصلة وتثبيت وقائع ميدانية، وعربدة يومية من قبل قوات العدو، ففي شهر يوليو الماضي فقط بلغ عدد الاعتداءات الإسرائيلية 2515 من ضمنها 455 حالة اعتقال جلها في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية.
إن الناظر لواقع الضفة الغربية يكفيه قراءة الأرقام المتعلقة بالاستيطان ليدرك كم هو خطر حرف بوصلة النضال الفلسطينية واجتثاثها الذي كان سبباً في التوسع الاستيطاني، فخلال فترة تولي الرئيس عباس المنظمة والسلطة ارتفع عدد المستوطنين إلى أكثر من النصف، من 450 ألفاً إلى ما يقارب المليون، كما يشكل الاستيطان ما نسبته 42% من مساحة الضفة الغربية.
الحالة الفلسطينية تبدع في مواجهة الاحتلال في الضفة الغربية والقدس، كما أبدعت في قطاع غزة عبر البالونات الطائرة، فالمخزون الثوري الفلسطيني مازال ينبض على رغم الملاحقة والمطاردة من السلطة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، ففي يوليو الماضي وحده هاجمت المقاومة الفلسطينية 7 مواقع للاحتلال الإسرائيلي، وعشرات نقاط الاشتباك.
إن المطلوب هو إعادة الاعتبار للمقاومة في الضفة الغربية، وانتهاج أساليب نضالية شعبية مماثلة لانتفاضة الحجارة عام 87 تكون قادرة على استنزاف العدو ودحر مستوطنيه، هذه الاستراتيجية النضالية هي القادرة على السير قدماً نحو تحقيق مصالحة فلسطينية_ فلسطينية، تتغلب على التحديات الإسرائيلية والأمريكية تجاه فلسطين، بدلاً من التفرد والصدام مع كل الفصائل الفلسطينية الفاعلة.