"العلاج بالكلاب"… حين يتحول حيوان أليف إلى معالج نفسي

الإثنين 27 أغسطس 2018 12:57 م / بتوقيت القدس +2GMT
"العلاج بالكلاب"… حين يتحول حيوان أليف إلى معالج نفسي



وكالات / سما /

يبدو أن الطبيعة منحت الكلب للإنسان للدفاع عنه ولإسعاده. فمن بين جميع الحيوانات، الكلب هو الأكثر وفاء: إنه أفضل صديق يمكن أن يكتسبه الإنسان في حياته.

هكذا تحدث الفيلسوف الفرنسي فولتير عن وفاء الكلاب وعلاقتها بالإنسان في كتابه الشهير "القاموس الفلسفي".

ومما لا شك فيه أن الإنسان تجمعه بالكلاب المستأنسة علاقات وثيقة منذ عدة قرون، فالذاكرة الجمعية لنا —نحن البشر- تزخر بقصص وحكايات وفاء هذا الحيوان مع صاحبه.

الحياة العاطفية للكلاب

إذا كنت تعيش مع كلب فإنك بالتأكيد تعرف متى يكون سعيدا أو بائسا، أليس كذلك؟ بالطبع هذا ما يحدث، فحتى المجتمع العلمي، يعترف حاليا بأن الكلاب لديها عواطف ومشاعر بحسب دراسة نُشِرَت عام 2011 بعنوان "الدوائر العاطفية الأساسية لأدمغة الثدييات: هل للحيوانات حياة عاطفية؟".

لكن، لم يتمكن العلماء من قياس ما تعبِّر عنه هذه العواطف بشكل مباشر، في حين أظهرت الدراسات مرارا مدى تأثير الحيوانات الأليفة الإيجابي على حياتنا.

فقد وجدت دراسة أجريت على 975 رجلا بالغا من مالكي الكلاب، أنه في أوقات الاضطراب العاطفي، كان من المرجح أن يلجأ معظم الناس إلى كلابهم أكثر من إخوتهم أو أصدقائهم أو أبنائهم أو آبائهم أو حتى أمهاتهم.

الصديق والرفيق… لكنه "المعالج" أيضا!

لا يعتبر امتلاك الكلاب مشاعر وعواطف أمرا مستغربا أكثر من كونها تعتبر حاليا الحيوان الأكثر استخداما في العلاج، إذ يجري الاستعانة بها بشكل متزايد كمشاركين في مجموعة متنوعة من برامج الصحة العقلية وذلك لتوفر المرافقة والمجالسة السعيدة والحب غير المشروط للمرضى.

ففي المملكة المتحدة، تمتلك جمعية الحيوانات الأليفة العلاجية (PAT) أكثر من 5 آلاف كلب نشط لأغراض علاجية، والتي تعمل مع حوالي 130 ألف شخص في الأسبوع.

بينما في الولايات المتحدة، لدى جميعة American Kennel Club الأمريكية برنامجا يسمى Therapy Dog Program والذي يعترف بست مؤسسات وطنية تستخدم الكلاب في العلاج بشكل قانوني، ويمنح ألقابا رسمية للكلاب الذين عملوا على تحسين حياة الأشخاص الذين قاموا بزيارتها.

فرويد.. وبداية الكلاب في علاج المرضى

يعد الطبيب سيغموند فرويد، المفكر ومؤسس علم التحليل النفسي، بشكل عام رائد العلاج بمساعدة الكلاب وذلك بنحو غير مقصود.

ففي أثناء تقديمه لجلسات العلاج النفسي في ثلاثينيات القرن العشرين، كان يجلس إلى جواره كلب من نوع تشاو تشاو —يسمى جوفي.

لاحظ فرويد أن المرضى أصبحوا أكثر استرخاء وانفتاحا عندما كان جوفي بجواره، وساعده ذلك فى التوصل إلى وجود علاقة ما بين وجود الكلب وحالة الاسترخاء تلك.

لكن البداية الرسمية للعلاج بمساعدة الحيوان ترتبط بشكل عام بالحرب العالمية الثانية، فعندما رافقت كلبة من نوع "يورك شاير" تدعى سموكي العريف ويليام لين في أثناء زيارته مستشفيات الخدمة في غينيا الجديدة، ارتفعت معنويات الجنود الجرحى بسبب وجودها معه.

وعلى الرغم من كل هذا، لم يستخدم العلاج بالحيوانات بشكل عام حتى ستينيات القرن الماضي، وذلك مع إنجاز أول دراسة حالة موثقة لكلب يعمل "معالجا".

ففى الدراسة التي حملت عنوان "الكلب باعتباره معالج مشارك"، أكد الطبيب النفسي الأمريكي بوريس ليفنسون أن وجود كلبه "جينجلز" أضاف "بعدا جديدا للعلاج النفسي مع الأطفال".دافع ليفنسون بقوة عن الاستعانة بالكلاب كوسائل علاجية، على الرغم من معارضة أقرانه آنذاك،

لكن.. كيف تشعر الكلاب؟!

لا شك في أن الكلاب جيدة جدا في فهم الإنسان، لكن من المؤسف أن يكون العكس ليس صحيحا دائما. وكمثال معتاد على ذلك، عندما يقع حادث صغير مع شخص ما في منزله، يعتقد أصحاب الكلاب أن حيوانهم الأليف يبدو مذنبا.

لكن بالنسبة للكلب المعني بالاتهام، فإن هذا المظهر —الذي يفسره صاحبه على أنه شعور بالذنب- هو مجرد حالة من الخضوع، وهي طريقة للكلب ليقول "لا تؤذيني" بدلا من كونها اعترافا منه بالذنب.

إذ أن من الصعب جدا على البشر أن يقتنعوا بأن الدماغ الكلبي غير قادر على فهم مفاهيم الصواب والخطأ — ومن دون هذه القدرة، لا يمكنها الشعور بالذنب، فالكلب الذي يبدو مذنبا هو ببساطة خائف من رد فعل صاحبه على الموقف — عادة بناء على تجربة سابقة.

وتحدث بعض الصعوبات الرئيسة بين الكلاب وأصحابها بسبب عدم قدرة الإنسان على قراءة لغة جسد حيواناتهم بشكل صحيح.

هرمونات "الحب والتوتر".. التفسير العلمي لوفاء الكلاب

أظهرت دراسة أنه عندما يداعب الإنسان كلبه يكون لديه مستويات متزايدة من الأوكسيتوسين، المعروف بـ"هرمون الحب"، ويعتقد أن هذا الهرمون يساعد على الاسترخاء. لذا، فإن وجوده يساعد في معرفة كيف تشعر الحيوانات من خلال النظر إلى بيئتها الهرمونية.

كما يساعد الهرمون —إلى جانب الإسترخاء- في تشكيل الروابط بين الأم والطفل — وكذلك بين الحيوانات الأليفة وصاحبها.

وعلى الرغم من أننا لا نستطيع أن نعرف على وجه اليقين كيف تشعر الكلاب خلال ممارستها الأنشطة الممتعة، فإنه يبدو من المعقول أن هرمون الأوكسيتوسين ينتج أحاسيس مماثلة في الكلاب لتلك التي يشعر بها البشر مما يوحي بأنهم —الكلاب- يشعرون بالعاطفة تجاه أصحابها بل ويتعلقون بها.

وبالمثل، تُظهر الكلاب —التي تكون في ظروف ومواقف مزعجة- مستويات مرتفعة من هرمون الكورتيزول المعروف بـ"هرمون التوتر". ومن بين المواقف التي تُنتج خلالها كميات كبيرة من هذا الهرمون عند تركها وحيدة لفترة من الزمن، فيُنتج الهرمون استجابة للضغط الناتج الناتج من الشعور بالوحدة.

الكلاب حيوانات اجتماعية تحتاج دائما إلى المرافقة. ونادرا ما يكون الكلب المنعزل سعيدا — وهذا شيء يجب على جميع مالكي الكلاب أخذه بعين الاعتبار.