عن «المعتوه» وهستيريا العقوبات..عريب الرنتاوي

السبت 18 أغسطس 2018 11:27 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عن «المعتوه» وهستيريا العقوبات..عريب الرنتاوي



«المعتوه»، هو اسم الكتاب الذي صدر في واشنطن، ويكشف بعضاً من الأوجه المتعددة لشخصية الرئيس الأميركي دونالد ترامب. الكتاب من تأليف أوماروسا مانيغولت نيومان، مستشارة الرئيس السابقة، ويرصد جوانب من سلوكه وشخصيته وعشقه البالغ لإثارة الفوضى والارتباك حتى في صفوف أقرب المقربين إليه. الكتاب سينضم بصدوره، إلى جانب عدد وافرٍ من كتب السيرة والمذكرات، التي صدرت عن مقربين من ترامب، واتسمت بطابعها الفضائحي، ولعل أشهرها بالطبع، كتاب ستيف بانون «نار وغضب».
«المعتوه، نقيض «الأبله» عند دستوفسكي، أحد أبرز رواد المدرسة الرومانسية في الأدب، والتي ازدهرت في رد غير مباشر على «عقلانية» عصر الأنوار والتنوير وآدابه. ترامب لا ينتمي لكلا المدرستين، فلا محددات عقلانية لسلوكه، ولا نوازع روحية وقيمية يمكن الحكم بها، أو التنبؤ من خلالها، على أفعاله وردود أفعاله. إنه شخص مرتبك ومربك. لقد أربك العالم بأسره، وليس الدائرة الضيقة من المقربين والمستشارين فحسب.
هو في حرب مع العالم كله ... ينظر باحتقار للقارة العجوز، ولا يقيم وزناً لقياداتها، سيما النسائية منها (ميركل وماي)، إلى جانبه يبدو دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي الأسبق، صاحب مقولة «القارة العجوز» محباً لأوروبا. وهو في حرب مع جاستن ترودو، رئيس الحكومة الكندية الشاب، الذي أثار انطباع العالم. وحرب «الجدار» مع المكسيك، أفقدت الولايات المتحدة جاراً وحليفاً طبيعياً، سيما بعد أن قرر في ذروة الاستعلاء والاستكبار، بأنه يتعين على المكسيكيين دفع كلفة بنائه.
نظرته لحلف شمال الأطلسي، لا تختلف عن نظرته لأوروبا، وهو أصدر أكثر من تصريح وتلميح، عرض من خلالها شكوكه في جدوى وجدية الاستمرار في صيانة وإدامة هذا الجسم المترهل والمكلف. يكره اجتماعات الحلف، ويفضل عليها لقاءاته المنفردة مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، كما قال شخصياً.
الدول المارقة في نظره، هي روسيا والصين، وكوريا الشمالية وإيران، مع أنه لا يُخفي أبداً، إعجابه برؤساء ثلاثة منها (بوتين، بينغ، وأون)، ويغازل الرئيس الرابع (روحاني) مُبدياً الاستعداد للقائه بلا شروط، وفي أي زمان ومكان يختاره الأخير. جميع الدول المذكورة تخضع لنظام صارم للعقوبات، ولحزم متلاحقة من الإجراءات العقابية، والرئيس يفخر بأنه تسبب في خلق موجات اهتزازية عنيفة لاقتصادات هذه الدول.
أصدقاء واشنطن وحلفاؤها، ليسوا بمنأى عن عقوباته وإجراءاته وسياساته الهوجاء. تركيا لحقت – عملياً – بركب الدول «المارقة»، وهي تخضع اليوم لنظام عقوبات أميركياً صارماً، مرشحاً لمزيد من التصاعد، والسياسة الأميركية في الإقليم، لم تتوقف للحظة عن مصالح شريكها في الناتو، وأكبر «مقدم خدمات» للولايات المتحدة طوال ستة أو سبعة عقود من الزمان، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد قدّم «جردة حساب» بها، في مقالته في صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً.
حلفاؤه العرب، من المعتدلين بالطبع، ليس لديهم سوى خيارين: كلاهما معاً، وليس أحدهما على حساب الآخر أو بديلاً عنه. عليهم تقديم «التقدمات» المالية «الفلكية» للولايات المتحدة، نظير الحماية والرعاية التي تقدمها لهم. وعليهم في الوقت ذاته، التكيف مع سياساته التي تلحق أشد الضرر بهم مباشرة، بل ومطلوب منهم، أن يكونوا «جنداً مجندة» لمساعدة البيت الأبيض على تمرير هذه السياسات.
أما الدول المتلقية منها للمساعدات، فمنذورة لأدوار لا يتقبل عقله أي اعتراض عليها، بما فيها صفقة القرن أو «صفعته»، الأمر الذي حدا بكثيرين لطرح السؤال عن الفرق بين كلفة صداقة واشنطن وكلفة عداوتها بالنسبة لهذه الدول، إن لم يكن على المستوى الفوري والمباشر، فعلي المستويين المتوسط والبعيد.
فوضى شاملة، يُغرق بها «المعتوه» العالم، ويتركه حائراً ومرتبكاً، ولولا «بقايا دور» تلعبه «المؤسسة» الأميركية في تنظيف القمامة التي يخلفها ترامب وراءه على الطريق، لأمكن القول، ولحق لنا التنبؤ، بأن حروباً كثيرة، كانت اندلعت أو ستندلع، لو ترك هذا الرجل، الذي يصعب سبر أغوار «مخياله السياسي»، على سجيته.