كتب كوشنير موجهاً كلامه إلى كبار المسؤولين الأميركيين: من المهم أن يكون هناك جهد صادق ومخلص لتعطيل "الأونروا" وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين"، لأن هذه الوكالة تديم الوضع الراهن وهي فاسدة وغير فعالة ولا تساعد على السلام".
وأضاف كوشنير: "لا يمكن أن يكون هدفنا الحفاظ على استقرار الأمور كما هي، فأحياناً يكون عليك المخاطرة الاستراتيجية لكسر الأشياء للوصول إلى هناك".
قرار شطب "الأونروا" أو اختزال وتقليص دورها، وثيق الصلة بموقف إدارة ترامب العدائي من قضية كل اللاجئين في العالم، والذي ينسجم مع زمن التوحش والعنصرية الذي أنتج الظاهرة الترامبية.
فمنذ صعوده إلى الحكم أصدر ترامب قرارا يقضي بحظر دخول شعوب 7 دول عربية وإسلامية إلى الولايات المتحدة، وعلق برنامج بلاده لتوطين اللاجئين توطئة لتخفيض العدد المقر سابقا.
الأسباب الفعلية وراء إعلان الحرب على "الأونروا"، نقلها تقرير صحيفة "فورين بوليسي" الأميركية، وتسعى الحرب إلى تصفية قضية اللاجئين، انسجاما واتفاقا مع الموقف الإسرائيلي العدمي من اللاجئين الفلسطينيين.
الاتجاهات والنخب الاقتصادية المؤيدة لإسرائيل بما في ذلك أعضاء وكتل في الكونغرس، التي استند إليها كوشنير، ترى أن الوكالة تقوم بإحياء أمل العودة بين الفلسطينيين في المنفى إلى ديارهم والأماكن التي هُجروا منها.
ثانيا: الوكالة تسجل وتضم أحفاد اللاجئين باعتبارهم لاجئين، مخالفة بذلك الرأي الذي يقصر عدد اللاجئين بمن تبقى على قيد الحياة من أصل 700 ألف لاجئ فلسطيني جرى طردهم في أعوام 47 ،48، 49 و50.
وهؤلاء الأحياء لا تتجاوز أعدادهم عشرات الآلاف فقط، وهم اللاجئون الذين سيعترف بهم أميركيا وإسرائيليا.
الفريق الأميركي المكلف إعادة النظر في واقع اللاجئين، بصدد تقديم تقرير حول واقع اللاجئين انطلاقا من الرؤية العدمية الإسرائيلية.
الغريب هنا، أن إسرائيل وإدارة ترامب تعترفان بأحفاد مختلقين ليهود عاشوا في فلسطين قبل 3 آلاف عام وبحقهم في العودة إلى بلد عاش فيه الأجداد، في الوقت الذي تتنكر فيه لأحفاد الفلسطينيين الذين لم يمض على اقتلاعهم 70 عاما.
يقول تقرير فورين بوليسي نقلاً عن المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية في واشنطن: إن الفلسطينيين هم السكان الوحيدون القادرون على نقل وضع لاجئهم عبر الأجيال.
ثالثا: و"الأونروا" متهمة بتضمين المواد التعليمية أفكارا معادية للسامية، وهذه المواد مطلوب إزالتها.
الموقف الأميركي الذي يجري بلورته الآن يعمل على مواءمة قضية اللاجئين، بما يتناسب مع الموقف الإسرائيلي العدمي، بدءا بشطب كل أبناء وأحفاد اللاجئين الذين ولدوا خارج فلسطين، بعد العام 48، واستبدال وكالة "الأونروا" بالبلدان المضيفة وتحويل الدعم المخصص لتلك الدول، وللوكالة الأميركية للتنمية "يو اس ايد".
ويلاحظ أن الموقف الذي لم يخرج للعلن اقترن بإجراءات تخفيض الدعم الأميركي لـ"لأونروا"، والذي بدأ ينعكس على خدماتها وعلى العاملين في مؤسساتها.
فقد نفذت وكالة "الاونروا" قرارات بفصل 1000 موظف من برامج الطوارئ وبعض الموظفين الدائمين وعاملين بعقود عملا جزئيا ومؤقتا.
ترافق ذلك بممارسة ضغوط على دول داعمة لموازنة "الأونروا" من أجل تخفيضها ومن ثم تحويلها، وضغوط على دول مضيفة للاجئين، من أجل توطينهم مقابل تحويل الدعم المخصص لـ"الأونروا" لتلك الدول.
بين اليوم والأمس حدث التبدل الأخطر في الموقف من "الأونروا" وقضية اللاجئين، والذي تقوده إدارة ترامب.
بالأمس لم يسمح بإدراج قضية اللاجئين الفلسطينيين ضمن مهمات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، لتفادي التعامل معها كقضية سياسية، وما يعنيه ذلك من العمل على ترجمة قرار حق العودة رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة، والبحث عن حل سياسي لقضية اللاجئين.
التجاهل السياسي حدث على خلفية الإنكار الإسرائيلي والصمت الدولي على جريمة التطهير العرقي التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، وتجاهل المسؤول عنها وتجاهل ضرورة محاسبته استناداً للقانون الدولي.
وترتب على التجاهل الدولي لهذه الجريمة، تشكيل إطار معني بالجانب الإنساني والمعيشي والتعليمي للاجئين تحت مسمى (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - أونروا - ). وجرى فصل هذه المهمة عن بعدها السياسي، في أغرب عملية تواطؤ دولي مع الذين اقترفوا جريمة التطهير العرقي.
ضمن هذه الوظيفة دعمت الدول الكبرى "الأونروا" باعتبارها مؤسسة مساهمة في استقرار المنطقة، وفي نزع فتيل الانفجار والاحتقان في صفوف اللاجئين الفلسطينيين.
في زمن التوحش الاقتصادي والسياسي الذي تقوده إدارة ترامب بمعدلات متسارعة، لم تعد المهمة الإنسانية والإغاثية مجدية، رغم تضعضعها يشير مسح الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن 39 % من اللاجئين في الضفة والقطاع يصنفون كفقراء، و23% يعانون من فقر مدقع، وتصل نسبة البطالة في صفوفهم 34.7%، بمعنى آخر لم يعد دفع المال مقابل الاستقرار والهدوء مجزياً للمتغولين الكبار، ولمبرمي الصفقات.
إنهم يبحثون الآن عن دفع أقل وربح أكثر فأكثر في إطار علاقات الهيمنة الاستعمارية الجديدة. ولم تعد حقوق الإنسان ولا حق تقرير المصير ولا منظومات القانون الدولي ذات صلة بالنسبة لإدارة ترامب ولحلفائها.
العداء للاجئين لا يقتصر على إدارة ترامب بل يمتد إلى الترامبيين وإلى الأتباع في أوروبا وفي الإقليم.
الموقف الأوروبي بدوره تراجع وارتبك، بل فشل في معالجة أكبر عمليات اللجوء التي شهدها العالم منذ الحرب العالمية الكبرى، كان الفشل مزدوجا، حيث أخفقت أوروبا ومعها النظام الدولي في الحيلولة دون معالجة الحروب التي تنتج الهجرة، وفي كبح النظم المستبدة وقوى التعصب الديني والتدخلات الرجعية والطائفية المسؤولة عن التدمير والخراب والهجرة.
الجزء الآخر من الفشل جاء في شكل فوبيا الأمن والهوية الثقافية كتهديد مبالغ فيه من قبل الأحزاب والقوى العنصرية.
كان من الخطأ التعامل مع مشكلة اللاجئين كوقف الدعم المالي الأميركي، أو تسريح الموظفين، أو توقف بعض البرامج الإغاثية.
مشكلة اللاجئين كانت في البدء سياسية، وتتفاقم الآن كمشكلة سياسية والرد بالطبع يكون سياسيا.
لقد فتحت إدارة ترامب وحليفها نتنياهو معركة القدس الكبرى، وأعقبتها بمعركة اللاجئين الكبرى، ثم معركة قانون القومية، والآن معركة فصل قطاع غزة عن الضفة.
وتخللتها معارك النهب والاستيطان والتطهير العرقي. السؤال، كيف نستطيع الصمود في تلك المعارك الكبرى؟
mohanned_t@yahoo.com