مدارس قطاع غزة ما بين المدرسة التحررية والمعيقات المرتبطة بالتصميم المادي

الأحد 05 أغسطس 2018 11:42 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مدارس قطاع غزة ما بين المدرسة التحررية والمعيقات المرتبطة بالتصميم المادي



تعتبر المدرسة من المؤسسات ذات الأهمية القصوى في ركائز أي مجتمع, وهي تأتي في تأثيرها وأهميتها في المرتبة الثانية بعد الأسرة، فالمدرسة هي حلبة صقل و تطوير شخصية الطالب و مهاراته و قدراته و معلوماته في كافة مجالات الحياة.

يعتبر الكثيرون أن دور المدرسة محصور في تعليم العلوم المختلفة للطالب, متانسين أن دور المدرسة الأساسي هو تخريج طالب ذو شخصية متكاملة في شتى مناحي الحياة.

و للوصول للشخصية المتكاملة للطالب, يجب أن تتوافر في البيئة المدرسية عدة مقومات مثل: البنية الهندسية الملائمة, مساحات اللعب الكبيرة, الألوان التي تحفز شخصية الطالب على التركيز و تعطيه الدافعية الأكبر للتعلم.

يرى الباحثون التربويون أن شكل المدرسة الهندسي و الوانها تنعكس بشكل كبير على الطالب و مدى انتاجيته العلمية, فالمدرسة التقليدية ذات الأسوار العالية و الألوان القاتمة تنعكس انعكاسا سلبيا على انتاجية الطالب و قدرته على التركيز, اضافة الى عدم استغلال مرافق المدرسة مثل: المكتبة و مختبرات الحاسوب و أماكن اللعب استخداما صحيحا.

أثبتت نتائج العديد من الدراسات النفسية أن الألوان القاتمة تحبط من نفسية الناظر اليها و تقلل من تركيزه, في حين أن الألوان المبهجة و غير القاتمة تساعد على رفع الروح المعنوية للناظر اليها و تعزز من تركيزه.

والملاحظ أن الألوان المستخدمة في مدارسنا أغلبها من الألوان الداكنة, التي تتنوع ما بين الأخضر القاتم و الأزرق القاتم, ناهيك عن لون السبورة التعليمية الداكن. و المعروف بأن هذه الألوان الداكنة تثبط عزيمة الناظرين. فهل تنتهج مدارسنا نهج الدول الناجحة بأن تجعل ألوان المدرسة مبهجة ممتلئة بالخضرة باعثة لروح الأمل و الراحة بين الطلاب على عكس الروح الانهزامية السائدة؟

و اذا جئنا للتكلم عن المدرسة فلابد من دراسة الشكل الهندسي للمدرسة التقليدية و مقارنته بالشكل الهندسي للمدرسة التحررية التي أنشأها خليل السكاكيني.

سنجد أن مدارسنا يحاصرها السور العالي مع أسلاك شائكة في بعض الأحيان, فلا تكاد تفرق بينها و بين معتقل أعد لاحتجاز المجرمين.

في حين أن المدرسة في منظور خليل السكاكيني لا تحدها الأسوار لأن دافعية التعلم تحول دون أن تفرض قيود على المتعلمين و أن يجبروا على قضاء ساعات محددة بتوقيت صارم داخل المدرسة.فلا تكاد ترى ظاهرة التسرب من المدارس التي تشتهر بها مدارسنا في مدرسة السكاكيني, و هنا يكمن التساؤل, لماذا؟

و على سبيل المثال لا الحصر, في مدرسة السكاكيني, جيئ ذات مرة بطالب و قد سرق كتابا من المكتبة, فعرض على خليل السكاكيني, فقال: هذا الطالب لم يسرق. هو فقط احتاج لاستعارة هذا الكتاب من المكتبة. و المكتبة هي ملك للطلاب. و حال دون عقاب الطالب.

وإذا ما نظرنا لمكتبات المدرسة الحالية في قطاع غزة, نرى بأن أغلبية مكتبات المدارس هي مخازن لحاجيات المدرسة, فلا تستخدم المكتبة الا نادرا أو خلال زيارة مسؤول. في حين أن  مساحات اللعب المخصصة للطلاب,  فهي لا تغطي الحد الأدنى للأنشطة التي تجدول كل عام في بداية الفصل الدراسي.
في الوقت الذي تعتمد  الدول ذات التجارب الناجحة بشكل أساسي على طريقة التعلم باللعب, لما لها من أثر ايجابي كبير على نفسية الطلاب خاصة في المرحلة الابتدائية.

و قد شجع خليل السكاكيني في تجربته للتعليم التحرري على إعطاء الحرية للطلاب ليمارسوا هواياتهم و يكتشفوا قدراتهم, لتنميها المدرسة بعد ذلك.

أما بخصوص المختبرات في المدرسة نرى بأن استعمال المختبرات محدود للغاية, فلا نرى تطبيقا عمليا كافيا لطريقة التعلم بالتجربة. في حين أن التجارب الناجحة للدول المتقدمة تعتمد بشكل أساسي على المختبرات العلمية في تعليمها العلوم للطلاب. خصوصا في الناحية الكيميائية و ناحية الحاسوب و التكنولوجيا.

في ضوء ما تم ذكره نجد الفرق بين المدرسة التقليدية الحالية و المدرسة التحررية فياثراء دافعية التعلم الذاتية للطلاب و عدم تكريس ظاهرة التسرب من المدارس لأن الطالب يجد كل ما يثير انتباهه و ميوله داخل المدرسة التحررية على عكس المدارس التقليدية فلا يحتاج للخروج خارج عتبات المدرسة.

فهل سنرى مدارسنا تتحرر من عبودية المدراس التقليدية المغلقة و تنفتح على أساليب التعلم التي تحرر العقل من قيود الكتاب و التلقين. هذا ما ستظهره لنا الأيام المقبلة.

بقلم: مؤمن السلاق