التسويات على الأطراف والمواجهة في الوسط..حسين حجازي

السبت 04 أغسطس 2018 02:25 م / بتوقيت القدس +2GMT



التسوية مع غزة:
سوف نعرف في غضون الأيام القليلة القادمة ما الذي يمكن ان يتمخض عنه كل هذا الحراك المتسارع، فيما يخص قضيتين أساسيتين يبدو من الواضح انهما وضعا الآن على نار ساخنة، وهاتان القضيتان هما مصير المصالحة الفلسطينية الداخلية، والثانية مصير التهدئة طويلة الأمد وفك الحصار عن غزة. اما المؤشرات على هذا الترقب الذي بدأ منذ يوم الخميس يأخذ منحنى شبه دراماتيكي، فهو الإعلان المتزامن لرئيس الوزراء الإسرائيلي عن تأجيل زيارته بصورة مفاجئة الى كولومبيا، مع الإعلان عن زيارة وفد قيادة "حماس" في الخارج برئاسة صالح العاروري الى غزة للتشاور مع قيادة "حماس"، وكل ذلك وسط اهتمام مصري بهذه الزيارة بما في ذلك تأمين الحماية للعاروري. 
فهل أصبحت الطريق ممهدة أخيراً او الظروف الموضوعية وكذا الذاتية لجميع الأطراف المحيطة او المؤثرة على اللعبة الغزية، ناضجة ومستعدة لاتخاذ هذه الخطوة المزدوجة، التي من شأنها لا ان تغير المشهد الفلسطيني الغزي أولاً، وإنما في الوقت نفسه البدء بالرقصة الأولى او الافتتاحية، التي ستخلق مساراً لم يكن متوقعاً لإعادة خلق ديناميكية جديدة في مقاربة حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بصورة شاملة؟.
لكن هذا الطموح قد يبدو الآن غير واقعي او مبالغاً فيه، اذا كان طرف رئيسي في هذه العملية لا يبدو ناضجاً او مستعداً للذهاب أبعد من التوصل الى هذه التسوية مع غزة، التي يحتاجها بنيامين نتنياهو ربما بصورة شخصية، بقدر ما كانت حاجته في الأيام الأخيرة لإقرار ما يسمى بقانون القومية. اذا كان كل تفكير الرجل في هذه الأوقات ينصب على التحضير للانتخابات القادمة العام القادم او المبكرة نهاية هذا العام، وبالتالي فان الأمر لا يعدو هنا سوى واحدة من مناورات نتنياهو المتواصلة، وهي مناورة تقوم على قاعدة الفصل بين المسار الغزي والمسار الضفي، حتى لو كان ذلك باشراك السلطة الفلسطينية فيما يبدو تراجعاً عن المقاربة السابقة التي ارتبطت بما يسمى التطبيق الفظ لصفقة القرن.
ولعلنا اليوم بإزاء فصل جديد في هذا الصراع يقتضي ان تكون التهدئة مع غزة على ارتباط بتحقيق المصالحة، وإعادة ترتيب أوراق الصراع، بما يحقق إسرائيلياً تغير مسار المواجهة الحربية التي كانت قائمة على جبهتي الجنوب مع غزة والشمال مع إيران وحزب الله وسورية، وذلك بانتقال هذا الاشتباك الحربي من على طرفي الرمح الى جذور هذا الصراع في الوسط او القلب، أي في أراضي 1948، او في قلب هذا الصراع على هوية فلسطين وإسرائيل هنا.
وحيث يبدو من الواضح عند هذه العتبة الجديدة ان الصراع او الحرب القادمة على تقرير المصير والهوية للشعبين في ارض فلسطين التاريخية، هو اكثر تشابكاً ووضوحاً في تحققه وتلازم تحققه بالنسبة للطرفين في نفس الوقت على حد سواء. وربما كان هذا التحول الجديد وغير المتوقع هو الدلالة والنتيجة المباشرة لمبادرة نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف، من اقرار ما سمي بقانون القومية اليهودية .

الافتتاحية اليوم في ميدان رابين:
لم تهدأ إذاً في الأيام الأخيرة الماضية ما تحب الصحافة الإسرائيلية ان تسميها بالعاصفة، التي أثارها ما يسمى بقانون القومية، وحيث كل التوقعات تشير الى انها لن تهدأ قريباً. وفي هذه الدراما الجديدة التي فتحت الصراع الذي ظل مستتراً على مدى السبعين عاماً، بين اليهود الإسرائيليين حكام الدولة ومواطنيها من الأقليات الفلسطينية سكان البلد الأصليين على مصراعيه. 
فقد يمكن التوقف عند الدلالات التي حملها في الأيام الأخيرة فشل المفاوضات بين أركان الطائفة الدرزية المعروفية، ورئيس الوزراء نتنياهو. بعد ان برز انطباع فجر يوم الخميس كما لو ان الرجل استطاع ان يخمد على الأقل ما اعتبره أشبه بانتفاضة غير مسبوقة في زخمها وعنفوانها تسري في أوساط الدروز، بعد أن أدار نتنياهو ما يشبه مناورة تقوم على الرشوة او الشراء والبيع، من خلال الوعود بمنح الدروز الذين يخدمون في الجيش امتيازات خاصة. الأمر الذي رأى فيه البعض كما لو انها نافذة فرص على الدروز استغلالها لأخذ ما يستطيعون، وكفى المؤمنين القتال.
لكننا سنصحو يوم الجمعة أمام انهيار هذه المحاولة او المناورة، عندما انتفض في الليلة السابقة نتنياهو بعصبية وغضب في الاجتماع الذي كان يعقده مع أركان الطائفة، واعلن فجأة إنهاء اللقاء بعد دقيقتين من بدئه، بسبب ما اعتبرها إهانة لدولة إسرائيل ومسا بكرامتها، لاتهام قدمه احد الجنرالات المتقاعدين من الدروز في هذا اللقاء، بأن إسرائيل بعد هذا القانون تسير نحو العنصرية وسياسة الأبرتهايد.
لكن الواضح ربما ان نتنياهو كان منزعجاً وغاضباً اكثر بسبب إصرار الدروز الذين بدا حتى الان وكأنهم يتصدرون المواجهة مع اليمين الحاكم في إسرائيل، يصرون على الذهاب مساء اليوم السبت الى ساحة رابين الشهيرة في تل أبيب، في بداية اول واكبر تعبير ميداني احتجاجاً على قانون القومية. 
واذ تشير كل التوقعات الى ان عدة عشرات وربما مئات الألوف سوف يحتشدون في هذا الميدان تنديداً بهذا القانون، ويتبعه حشد مماثل يوم السبت الذي يليه بدعوة من لجنة المتابعة العربية. فإن نتنياهو الذي ربما لم يختلف تصرفه الغاضب عن تصرف بعض الدكتاتوريين العرب، باعتبار النقد الموجه لسياسته تطاولاً ومساً بكرامة الدولة، على قاعدة لويس الرابع عشر "انا الدولة والدولة انا ". 
وربما أراد الرجل ان يُظهر العين الحمراء كجزء من محاولته احتواءهم وامتصاص غضبهم، اذا كانت عينه وهدفه بالأخير على الفلسطينيين من غير الدروز، الذين ينظر اليهم باعتبارهم كامتداد للوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، على قاعدة "فرق تسد" بين ما يسمى بالأقليات العربية، أي تفكيك الدروز انفسهم وشقهم ووضع الأسافين بين الطائفة الدرزية من جهة والفلسطينيين المسلمين من جهة اخرى.
وقد تكون المصادفة وحدها التي جعلت من هذا اليوم السبت يتزامن مع الذكرى السنوية لميلاد القائد العظيم ابو الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات طيب الله ثراه. والرهان في هذا اليوم الفاصل بل الحاسم انه اذا ما قارب الحشد الجماهيري الفلسطيني واليهودي المائة ألف او زاد عن ذلك كما يتوقع، فسوف تكون هذه هي الرسالة والتحدي الأقوى لبنيامين نتنياهو واليمين المتطرف الشعبوي. ولنتذكر انه من هذا الميدان وتظاهرة اليسار الإسرائيلي والفلسطيني في الداخل، التي بلغ تعداد حشدها ثلاثمائة الف أسقطت حكومة الليكود بزعامة مناحيم بيغن بعد حرب العام 1982، ضد منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. 
وانه في ميدان رابين نفسه تمكن متطرف يميني من اغتيال عملية السلام واتفاقية أوسلو باغتيال اسحق رابين. والتقديرات اليوم ان ما سيحدث من حشد عجز اليسار والمعارضة الإسرائيلية طوال السنوات الماضية من تحقيقه، هو ما يمثل الكابوس المرعب لنتنياهو، والذي دفعه ليلة الجمعة الى فض اللقاء مع الوفد القيادي الدرزي. اذا كان الرجل في صدارة دوافعه الشخصية لسن قانون القومية العنصري هو التحضير للانتخابات المقبلة خلال السنة القادمة في إسرائيل، وتقوية مكانته الشعبوية في معسكر اليمين أمام المزايدات من على يمينه. 
ولكن الذي يحدث ان الدروز الذين يلعبونها بمهارة وذكاء ومعهم لجنة المتابعة العربية، يهددون هذا اليمين الآن بقلب الموازين رأساً على عقب، اذاً كانت هذه التظاهرة الافتتاحية في ميدان رابين سوف يكون لها ما بعدها.