عن علاقة الروس بنظام الأسد..محمد ياغي

الجمعة 03 أغسطس 2018 12:40 م / بتوقيت القدس +2GMT
عن علاقة الروس بنظام الأسد..محمد ياغي



في كل عام ينظم المركز الخليجي للأبحاث في جامعة كامبردج اجتماعاً أكاديمياً للحديث عن قضايا لها علاقة بمنطقة الخليج. هذا العام، عقد المركز عشر ورشات عمل شارك في كل منها بالمتوسط خمسة عشر باحثاً من جامعات ومراكز أبحاث من مختلف أنحاء العالم. 
ورشة العمل التي شاركت فيها كانت بعنوان "الخليج ما بعد الأزمة السورية ودور اللاعبين الخارجيين فيها". الورشة أدارها الكسي فاسيلاف، رئيس معهد الدراسات الأفريقية في الأكاديمية الروسية للعلوم بالاشتراك مع الدكتورة دانيا الخطيب، الرئيس التنفيذي للاستشاري الاستراتيجي للدراسات الاقتصادية والمستقبلية. 
الدكتور فاسيلاف قدم لنا على أنه صحافي، ومحاضر جامعي، ومؤلف لعشرات الكتب ومتابع لشؤون الشرق الأوسط منذ العدوان الثلاثي على مصر، وأنه بالإضافة لذلك صديق للطبقة الحاكمة في روسيا وعلى رأسها الرئيس بوتين.
كانت هذه فرصة لي لمحاولة فهم "المخفي" في جوانب السياسة الروسية في سورية، إن كان هنالك حقاً ما هو غير ظاهر منها.
سألت السيد فاسيليف: لماذا لا تقوم روسيا بحماية النظام السوري من الضربات الإسرائيلية؟ مضيفاً، لا يعقل أن تدعي روسيا حمايتها للنظام من جهة، بينما تسمح لإسرائيل من جهة أخرى بإضعافه وإذلاله. 
تفاجأ السيد فاسيليف من السؤال ورد بدون تفكير بأن الضربات الإسرائيلية ليست موجهة ضد النظام السوري ولكن ضد الإيرانيين، وروسيا لا ترغب في أن تكون طرفاً في الصراع ما بين إسرائيل وسورية وهي لديها علاقات قوية مع إسرائيل.  بالطبع هذا غير صحيح، لأن إسرائيل قصفت مواقع للنظام السوري مرات عديدة وأسقطت له مؤخراً طائرة دخلت لثوانٍ معدودة الجولان السوري المحتل.
لم أتوقف عند ادعاء الخبير الروسي، وسألت إن كانت روسيا على استعداد لمساندة النظام السوري إن قرر العمل على استعادة الجولان المحتل. 
هنا كانت المفاجأة: السيد فاسيلاف رد قائلاً: رغم أن العالم لا يعترف بأن الجولان إسرائيلية بعد أن ضمتها إسرائيل لها العام ١٩٨٠، إلا أن تحريرها "مستحيل". 
قلت: لكن ماذا لو قرر السوريون العمل على تحريرها، هل ستقفون معهم أم ضدهم؟ 
قال، لا يمكنهم الانتصار في معركة كهذه. متهرباً من الإجابة.
أصبح من الواضح لي أن إسرائيل لها خصوصيتها لدى ساسة الكرملين وأن رضاها مسألة في أعلى سقف اهتماماتهم.
عزز من قناعتي هذه، عندما سألت أستاذاً روسياً جامعياً آخر حضر ورشة العمل، عن رفض روسيا تزويد سورية بصواريخ متطورة للدفاع عن نفسها من الهجمات الإسرائيلية. الإجابة كانت: روسيا لها علاقة خاصة مع إسرائيل وهي حريصة على عدم التصعيد بين سورية وإسرائيل.
مما قاله فاسيلاف حرفياً، إن روسيا تدخلت في سورية لمنع تغيير النظام فيه بعد أن أصبح واضحاً أنها سياسة أميركية في الشرق الأوسط بعد ما جرى في العراق وليبيا، وأن كل ما يهمها ليس حماية النظام، ولكن استقرار سورية ومنعها من التحول لدولة فاشلة تصدر الإرهاب لروسيا وجيرانها. 
إذا سقطت سورية في أيدي الجماعات المسلحة المتطرفة، قال فاسيلاف، ستسقط لبنان وبعدها الأردن وبعدها السعودية في أيدي هذه الجماعات وسيصبح الشرق الأوسط فوضى حقيقية يهدد العالم أجمع.
بعيداً عن إسرائيل، سألت إن كانت روسيا ستساند النظام السوري في معركة استعادة إدلب. فاسيلاف أجاب بأن هذه المعركة غير واردة لأن عشرات الآلاف من المسلحين الذين قال إن عددهم يصل الى ستين ألفاً في إدلب، لا يرغب أحد بأخذهم لديه، وأن سورية اليوم مقسمة الى ثلاث مناطق: واحدة تحت سيطرة النظام، وأخرى تحت سيطرة المسلحين في إدلب، والأخيرة في شمال سورية تحت سيطرة أميركا والأكراد. 
الحل الآن وفق تحليله لا يمكن إلا أن يكون سياسياً. بمعنى أن النظام السوري عليه أن يتحاور مع الجماعات المسلحة في ادلب ومع الاكراد في نفس الوقت، آخذاً بعين الاعتبار مصالح تركيا وأميركا وإسرائيل وإيران في نفس الوقت.
من أهم ما قاله هذا الخبير أن العلاقات الأميركية الروسية أهم لروسيا من سورية، لكن المشكلة هي في الطرف الأميركي الذي لا يرغب في التعاون مع روسيا.
لست على ثقة بأن هذا الخبير يتحدث نيابة عن الكرملين، لكنه يدعي بأنه مطلع وأنه يعلم كيف يفكر الساسة الروس.
إن صدق الخبير الروسي علينا أن نتوقع تسوية سياسية في سورية ترضي إسرائيل عنها قبل أن تُرضي السوريين. وعلينا أن نتوقع أن تصبح كل الجماعات المتطرفة في إدلب جزءا من الحكومة السورية. وعلينا ايضاً أن ننتظر وضعاً خاصاً للأكراد في شمال سورية.
في تقديري، لدى الروس برنامجهم ولدى الحكومة السورية وحلفائهاـ إيران وحزب الله ـ برنامجهم، وهما بالضرورة مختلفان، باستثناء الاتفاق على تأمين سلطة بشار الأسد، وما يفكر فيه الروس يتعارض إستراتيجياً مع ما تريده إيران وحلفاؤها، وبالنتيجة، ربما نشهد نهاية للتحالف الإيراني ـ الروسي إذا فتح الأميركيون أبوابهم للروس.