صحيح لا تقسم، ومقسوم لا تاكل، وكْل حتى تشبع .. نظرية سياسية صرفة ، ولها مريدين ، يطبقونها بحذافيرها في كل المواقف ، ظانين أنهم بذلك يَـرِدون منابع الذكاء و الحِنكة ، و أنهم من الدهاء و الحكمة بحيث لا يمكن أبداً أن يمر شئ من خلالهم ، أو ضد إرادتهم .. متناسين ، إما لجهل و قصر نظر ، أو لتخلف في العقلية السياسية لديهم ، لا يدركون أن النتيجة هي بالقطع : صفر كبير ..
هذا ما يمكن أن نستنبطه من مواقفهم .. فهم يفترضون البلاهة في الآخرين ( الأغيار ) ، و تضيع بين تضاريس طرقهم المعوجة ، و أساليبهم الملتوية سنوات و سنوات ، وتقصف أعمار ، و تتحطم أحلام و أوطان .. وفي المقابل ينتعش المحتل و تقوى شكيمته و تزداد غطرسته ..
تجد أن أهم ما يميز تكتيكاتهم ، المعتمدة بشكل أساس على الإعلام و الدعاية ، في بداية أي جولة للمباحثات، أنهم ينشُرون فئتين إثنتين من فرسان العلاقات العامة و محترفي غسل الأدمغة .. الفئة الأولى فئة ( المُــدَلِـكِيــن ) الذين يمتلكون مهارة تدليك العضلات المشدودة ، و يشعرون الناس بالإسترخاء ، بلطف عباراتهم ، و تفكيكهم للتشنجات ، بل و أحيانا يجلدون ذاتهم و يُبدون مرونة ما بعدها مرونة .. و الكلام ليس عليه حساب .. و من الملاحظ أن هناك ثلاثة أو أربعة عناصر ، يعتبرون من قيادي الصف الأول و الثاني ، يخرجون و ينشطون قبل الخوض في أي مباحثات يمهدون الطريق ، و يبثون في الناس الأمل ، على طريقة غوبلز .. إكذب ثم إكذب ، حتى يصدقك الناس ..
أما الفئة الثانية فهي فئة ( التُجّــار ) و تجدهم يمارسون عمل التاجر الشاطر .. كلماتهم محسوبة ، و ينتشرون عبر وسائل الإعلام و الإعلام الإجتماعي بغزارة و إلحاح ، لا يتركون شاردة و لا وارده إلا و خرجوا بفقاعة ، تسميم ، و صدمة تتسم باللؤم ، و الدهاء الذي لا يملكة إلا نوع من التجار الذين يفاجئونك بشرط هنا ، أو بفاتورة هناك ، عليك أن تدفعها بعد أن تظن أن الصفقة قد تمت ، و إن إمتنعت إتهمت بالبخل ، و النكوص ، و يمكن أن يطلبوك لمجلس عرفي لتدفع غرامة ولتكتشف في النهاية أنك خسرت سمعتك و مالك و باعوك في المقابل الهواء ..
الفئتان أثناء أي محادثات ، أو عملية سياسية ، تلتئمان ، لتزيد جرعة الإيجابية طرفهم ... و التبشير بأنهم و رغم كل سلبيات الموقف وتعنت الأطراف الأخرى إلا أنهم من أجل عيون الناس ، و حباً في الناس سيوافقون على كل شئ ، و يوقعون على بياض ...
وهذا ما هو إلا إرهاصة ، و تقديماً للفقرة الأخيرة و هي فقرة ( البقرة الصفراء ) ..
حيث أنهم يعلنون أنهم موافقون على كل شئ و أي شئ ، و لكنهم يريدون تحديد لون القلم للتوقيع .. ونوعه ، و سماكة سنه .. و نوعية الحبر و من ثم نوع الورق ، و درجة نعومته .. فهم يريدونك أن تأكل و تملأ بطنك ، و لكن دون أن تقسم الصحيح ، أو أو تأكل المقسم ..