اعتبر نتنياهو المصادقة على قانون القومية « لحظة تأسيسية» معبراً في ذلك عن فهم ائتلافه الحاكم وفهم كل اليمين السائد في مجتمع دولة الاحتلال.
والقانون فرض نفسه على كل الكتاب والمحللين تقريباً.
وهؤلاء أفاضوا في تحليل مواده واستهدافاته وظروفه وتأثيراته الكارثية والقوى المجتمعية والسياسية التي فرضته والحراك في أوساطها.
وفضحوا بدقة، التناقض البنيوي في تعريف دولة اليهود والديموقراطية، وان القانون يؤكد عنصرية دولة الاحتلال، وان نظامها هو نظام فصل عنصري. يبقى هناك متسع لفكرتين وسؤال:
الفكرة الأولى: ان إقرار القانون جاء تتويجا لمسار ومسلك عام ظلت تسلكه دولة الاحتلال، من موقع القوي، عنوانه الرئيسي «نفعل ما نشاء وليذهب كل من لا يعجبه ذلك الى الجحيم».
هذا المسار والمسلك شهد في السنتين الأخيرتين، وبالتحديد منذ وصول الرئيس ترامب الى البيت الأبيض، تصاعدا بلا حدود وبلا سقف وعلى كل الأصعدة.
وفي هذا المسلك والمسار تبدو دولة الاحتلال وكأنها تضع الولايات المتحدة في جيبها، تسيرها كما تشاء، وتطمئن تماما الى دعمها المطلق ومناصرتها وتأييدها لكل ما تفعل وما تريد، مهما بدا شاذاً، بينما تضع بقية العالم، في خانة الانكار والتجاهل، بما فيه المجتمع الدولي وقوانينه وقراراته.
كما تبدو وكأنها تريد حسم الامور الاكثر اهمية وان تفرض اكثر ما يمكن من حقائق الامر الواقع في فترة الرئيس ترامب واغلبيته بالكونغرس، تحوطا واستباقا لأية مفاجآت.
هذا ما يفسر حال الاستهانة الوقحة، الذي يصل حد الاهانة، بلا ضوابط او حدود في تعاملها مع الكثير من الاطراف في الاقليم وخارجه. ودونما التفات ولو بالحد الادنى الى تحسينات شكلية او وسائل اخراج مخادعة تظهر استهانتها بشكل اقل فظاظة، ولا تكلفها شيئا.
يتجلى هذا الحال بأفظع واسفل صورة في النظرة الى الشعب الفلسطيني والتعامل معه.
وهي نظرة وتعامل تعبران عن قناعة فكرية وايديولوجية دينية وسياسية راسخة تقوم على الإنكار التام لحقيقة وجود اي حق لهذا الشعب في العيش على هذه الأرض والسكن فيها والتي هي وطنه من آلاف السنين، وأن عيشه فيها طوال تلك السنين لم يكسبه المواطنة ولا يرتب له اي حقوق فيها. ويبقيه مجرد ساكن طارئ ( اغيار)، ومجرد عمالة رخيصة في احسن الأحوال.
على أساس هذه النظرة تقوم ركيزتان اساسيتان في مجتمع ودولة الاحتلال:
الأولى، الحق المطلق وبلا اي قيود لليهود بالاستيطان في جميع ارض فلسطين، بل وتشجيع الاستيطان، ورفعه الى درجة العقيدة الدينية، ويعطيهم الحق الحصري بتقرير المصير عليها.
والركيزة الثانية، ان لا حقوق كيانية سياسية للفلسطينيين» الاغيار» الا في معازل (غيتوات) تحت السيطرة اليهودية التامة مهما تسمّت بتسميات لا معنى له ولا مضمون.
الفكرة الثانية، ان دولة الاحتلال بإقرارها هذا القانون تصرفت كالحرامي الذي سرق ما ليس حقه، يريد ان يشرعن هذه السرقة ويقنع نفسه انها أصبحت له، ويقنع من سرق منه بالاستسلام والقبول بالأمر الواقع والسكوت عن حقه.
النائب الفلسطيني في الكنيست ايمن عودة عبر عن هذا التصرف بأفضل ما يمكن حين خاطب جلسة الكنيست نفسها، وبعد ان مزق هو وزملاؤه الفلسطينيون القانون: « فقط من لا يثق بنفسه، بمشروعه، فقط من سرق ارضاً وطرد شعباً، فقط الحرامي يدور حول جريمته. وهكذا انتم بعد 70 سنة من إقامة إسرائيل تواصلون الإثبات، للذات بالأساس، لانكم متشككون وغير واثقين....».
اما النائب ابو عرار فقال في نفس الجلسة «ان كنتم مصدقين ان هذا وطنكم فلماذا تسنون قانون قومية؟ هذا يدل على انكم تعلمون ان هذه الارض ليست لكم» ودولة الاحتلال أقدمت على إقرار هذا القانون بعد ان أوصلها الفلسطينيون الى الحائط، الى اليأس المطلق بإمكانية ان يلين موقفهم، ويصلوا هم الى اليأس والسكوت عن حقهم والإذعان للأمر الواقع وحقائقه التي جهدت بطاقتها القصوى على مراكمتها طوال عمر الاحتلال.
وفشلت معهم (الفلسطينيين) كل الأقاويل عن فعل الزمن وعن الكبار الذين يموتون والصغار الذين ينسون. وسقطت امام استمرار تمسك الفلسطينيين وإصرارهم كل المؤامرات والمشاريع التي جاءت من اكثر من طرف ودعت الى تنازلهم عن اي من حقوقهم.
النائب عودة عاد في مقال لاحق وعرى القانون وأكد بأعلى مستوى وبأكثر الصياغات توفيقاً في التعابير وفي الواقعية وفي الإصرار، اقتطف منه « نحن أبناء الحطابين وسقاة الماء (كما توقع لهم مستشار بن غوريون أن يكونوا)، كنّا كالأيتام على موائد اللئام. وما زال اللئامُ – حكّام إسرائيل وأساطين الصهيونية - لئاماً وعنصريين، ولكننا لم نعد أيتاماً!).
الصحافي اليهودي جدعون ليفي ايضا، كتب «يبدو اننا نواجه أصعب شعب في التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال».
كتاب وصحافيون يهود آخرون كتبوا على نفس الشاكلة.
وما زال وسيستمر الموقف الفلسطيني المتمسك بأرض وطنه وحقوقه التاريخية وثوابته الوطنية، هو المفتاح لقهر هذا القانون وفضحه ومقاومته بكل الوسائل والتصدي لتبعاته وتطبيقاته واستهدافاته.
اما السؤال: هل كان لدولة الاحتلال ان تصل الى ما وصلت اليه وان تقر ما أقرته لولا الإدارات الأميركية، والإدارة الحالية بالذات، ولولا وجود وضع دولي يأخذ قرارات مناسبة، وحتى جيدة في بعض المرات، ولكنها تبقى بلا تنفيذ، بلا أسنان، ولولا وجود وضع اقليمي، وفي بؤرته وضع عربي، على هذا الحال القائم.