شغل الشارع الفلسطيني في الآونة الأخيرة خطر الحرب على قطاع غزة و إعادة الزخم في ملف المصالحة ، عاش القطاع لحظات حرجة كادت أن تتدحرج الأمور إلى حرب شاملة تأكل الاخضر و اليابس ، معجزة حدثت منعت الحرب " مؤقتا " من خلال التدخل المصري العاجل لوقف الغارات الاسرائيلية على القطاع المنهك في الأساس ، مازالت آثار حرب 2014 حاضرة بقوة ، لم تستكمل عملية إعادة الاعمار والحصار ازداد تعقيدا بعد قرار إسرائيل إغلاق معبر كرم أبو سالم وتقليص مساحة الصيد في البحر إلى 3 ميل، إلى جانب زيادة نسبة الفقر و البطالة وفقدان الامل ، في الحرب الماضية كانت " الأونروا " حاضرة بقوة في قدرتها على القيام بعمليات الإغاثة و الإيواء للمهجرين " هجرة داخلية من تخوم القطاع " ، حينها بلغ العدد أكثر من320 ألف مهجر، أمنت لهم الوجبات اليومية و المأوى من خلال فتح كل مدارس التابعة لها ، لم تعد "الأونروا " على حالها فيما لو حدثت الحرب الشاملة على القطاع، لأنها لم تعد لديها القدرة على تقديم المعونات فهي تعيش أزمة غير مسبوقة، بعد قطع الإدارة الأمريكية المساعدات السنوية عنها و التي تقدر بنصف موازنتها ، وبشكل أكثر وضوحا أن ميزانية الطوارئ " للأونروا " بلغت صفرا .
هناك تقديرات فلسطينية غير رسمية تقول أن الحرب على القطاع مسألة وقت ، لأن المعادلة التي تعتمدها إسرائيل مع حركة حماس باتت تهتز ، إذا كانت حركة حماس بسيطرتها على قطاع غزة وبشكل غير مباشر تؤَمن لإسرائيل عزل القطاع عن الضفة الغربية، أي ضرب و خدش التمثيل السياسي للسلطة و المنظمة ، وبمعنى آخر ضرب حل الدولة الفلسطينية التي تشترط أن تكون غزة و الضفة الغربية ومدينة القدس وحدة جغرافية واحدة ، وفي سياق أخر لم تعد إسرائيل قادرة على التعايش و التكيف مع نشاطات المقاومة من خلال القصف المحدود و الموجه ، وربط ذلك بمدى استجابة حماس والفصائل الأخرى للتهدئة غير المشروطة ، بحركة المعابر التجارية و مساحة الصيد في قطاع غزة ، حاولت حركة حماس الذهاب إلى معادلة قصف بقصف ، تبعها مسيرة العودة والبالونات الحارقة التي شكلت إزعاجا لمستوطني غلاف القطاع، تم حرق الاف الدونمات الزراعية ، و أمام مطالبات مستوطني غلاف غزة، شعر المستوى السياسي في إسرائيل أن هذا الوضع لا يمكن احتماله، وكانت الجولة الاخيرة التي هدفت إلى العودة لمعادلة الهدوء مقابل المعابر التجارية ومساحة الصيد، وكسر معادلة قصف بقصف التي حاولت حركة حماس تثبيتها ، ولكن أعتقد أن النشاط الفلسطيني خاصة في القطاع يجب أن يعمل على تجنيب القطاع من الحرب من خلال نزع كل الذرائع التي من الممكن ان تستغلها إسرائيل لشن الحرب .
بعد وقف إطلاق النار مباشرة أعادة مصر زخم المصالحة ، قدمت قيادة السلطة ورقة تحمل عدة نقاط عرضت على المخابرات المصرية التي تدير ملف المصالحة، و استدعت وفد حركة حماس ومن ثما وفد حركة فتح ، بالرغم من حالة الملل التي أصابت الشارع الفلسطيني من قدرت الاطراف على طي ملف الانقسام ، إلا أن هناك أملا بدا يلوح في الأفق لأن التحديات كبيرة ، و وأن رهان حركة حماس على استثمار مسيرة العودة وصل إلى طريق مسدود، لأن الحركة لا تستطيع دفع الثمن السياسي لأي اتفاق مع إسرائيل ، حديث الإدارة الأمريكية عن تقديم مساعدات اقتصادية سخية لقطاع غزة مرتبطة بصفقة القرن التي رفضها الرئيس أبو مازن بقوة ، و بالتالي تعقد المشهد السياسي أمام حركة حماس ، لم تعد قادرة على تقديم أي حلول للفلسطينيين في القطاع الذين لم يعد بمقدورهم الصمود أكثر من ذلك، لم يعد يقبلون المسوغات التي تسوقها حركة حماس ، بمعنى أخر الخلاف بين حركتي حماس و فتح لم يعد يستند على إي أساس سياسي ، إلى جانب أن حركة حماس غير قادرة على تسويق نفسها في العالم العربي و العالم لاعتبارات كثيرة .
تبقى هناك مشكلة قديمة جديدة وهي أن الطرفين قيادة السلطة وحركة حماس تتوافق على النصوص وتختلف عند التطبيق ، لأن التطبيق له علاقة بالمحاصصة وهي القضية التي بنيت عليها كل نصوص وتوافقات المصالحة ، التقاسم الوظيفي الذي تحدده الاتفاقيات بين الطرفين ما هو إلا وصفة جاهزة للفشل ، كان من المفترض القيام بحوار جوهره فكري سياسي مرتبط بجوهر القضية الفلسطينية التحرري ، مرتبط أيضا بحل معضلة علاقة الإسلامي بالوطني، أي أن تكون حركة حماس مرجعيتها الأساسية وطنية بامتياز ، إلى جانب التوافق على برنامج سياسي وطني موحد يشكل مرجعية للطرفين ، قبول حركة حماس بطبيعة المجتمع السياسي التعددي الذي يحترم الاختلاف وحرية المرأة ومساواتها بالرجل في الحقوق و الواجبات وفق وثيقة الاستقلال و القانون الاساسي الفلسطيني بات شرطا ضروريا لتحقيق وحدة الفلسطينيين كجماعة سياسية واحدة تتطلع للحرية والاستقلال .