عن مكانة ودور «حماس» في صفقة القرن...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 10 يوليو 2018 03:24 م / بتوقيت القدس +2GMT
عن مكانة ودور «حماس» في صفقة القرن...مهند عبد الحميد



لا يمضي يوم دون سماع أو قراءة حديث لمسؤولين في إدارة ترامب ومتحدثين إسرائيليين عن مشاريع كبيرة في قطاع غزة كحلقة أولى في صفقة القرن، كما يستدل من الأفكار المتداولة، وذلك بعد إخراج مدينة القدس وقضية اللاجئين من تلك الصفقة المشؤومة. الرئيس ترامب ينوي تجاوز الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية، عبر فرض خطة لتحسين الأوضاع في غزة، تشكل المرحلة الأولى من صفقة القرن الأميركية، بحسب صحيفة "إسرائيل اليوم" ومسؤول أميركي وضّح فكرة استهداف غزة بالقول: "إن خطة غزة كانت في الأصل مصممة للتخلي عن حلّ الدولتين وتجاهل السلطة، وأن يبدأ السلام الإقليمي العربي الإسرائيلي من قطاع غزة، لهذا أعطت الصفقة أولوية لإعادة إعمار قطاع غزة مقابل سلام طويل الأمد مع حركة "حماس". وتحدث مهندسو الصفقة عن سلسلة مشاريع وبرامج اقتصادية لحلّ الأزمة الإنسانية في غزة، بدعم دول عربية ومنظمات دولية بالمال. وكل ذلك تحت عنوان "منع انهيار الأوضاع الإنسانية والأمنية في القطاع". 
الحديث يدور عن ميناء بحري في قبرص بإشراف إسرائيلي أو في العريش بإشراف مصري، ومحطة للطاقة الشمسية في سيناء، وإنشاء منطقة تجارة حرة و5 مناطق صناعية في سيناء، وإنشاء مطار في المستقبل. 
يلاحظ أن الأفكار المطروحة حول غزة، المعلن منها وغير المعلن، المباشر وغير المباشر، المقبولة والمقبولة على استحياء، وغير المقبولة، كل هذه الأفكار محط تفاوض أميركي وإسرائيلي مع أطراف فلسطينية وعربية، ليست القيادة الفلسطينية الرسمية واحداً من بين المتفاوضين، يعود ذلك إلى رفضها الصريح للصفقة وللاحتكار الأميركي للعملية السياسية. وما يهم معرفة الأطراف الفلسطينية التي تعطي إشارات الاستعداد لقبول التعاطي مع الصفقة بمستوى وبآخر، وما هو أكثر أهمية معرفة الطرف الضالع في مفاوضات غير مباشرة في الحلقة الأولى للصفقة: "مشاريع إنقاذ غزة". وليس سراً أن يكون هذا الطرف الفلسطيني هو: حركة "حماس". مصادر مقربة من "حماس" تحدثت عن سعيها لرفع الحصار عن قطاع غزة وإبرام هدنة قصيرة أو طويلة الأمد، وأضاف هؤلاء: إن الحركة ستطرح أي اتفاق أمام الفصائل بغية التدارس قبل الاتفاق مع إسرائيل عبر الوسيط المصري. بدوره أكد السفير القطري محمد العمادي انخراط "حماس" في البحث عن السلام، لكنها تريد قبل ذلك تحسين الشروط المعيشية في غزة ورفع الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 11 عاماً. وأضاف: إن شروط الحركة لأي تهدئة طويلة الأمد هي رفع الحصار وبناء ميناء وفتح المعابر وإدخال البضائع والتنقل وحلّ مشكلة الكهرباء والماء. كما أشار إلى طلب "حماس" ثمن وقف البالونات والطائرات الورقية الحارقة هو السماح لـ 5 آلاف عامل غزي بالعمل داخل إسرائيل. وكان موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي في حركة "حماس" قد طار إلى موسكو لمناقشة "هدنة محتملة مع إسرائيل". 
كما نرى فإن قيادة حركة "حماس" لا تنفي ضلوعها في المساعي والتفاوض غير المباشر. لتحقيق الأهداف عينها المطروحة في الصفقة المعلنة من قبل مهندسيها. فك حصار وتجاوز "الضائقة الإنسانية" - كهرباء وماء وميناء وفرص عمل وغير ذلك. افتراض أول: لا يعقل أن يتفق طرفان من طبيعة متناقضة المصالح على تحقيق الأهداف نفسها! سيما أن ترامب وفريقه ليس لديهم غير هدف واحد هو الكسب والربح والقوة. وهنا يبرز سؤال كيف ستربح "حماس" ويربح ترامب وحليفته إسرائيل المدللة والموضوعة فوق القانون في الوقت عينه. خلافاً لتجربة طويلة ومريرة من التفاوض الأميركي الإسرائيلي الذي كان ديدنه، رابحاً وخاسراً، منتصراً ومهزوماً، أسياداً وعبيداً، أغنياء وفقراء، أقوياء وضعفاء، فضلاً عن سيادة موقف التنكر للحقوق الوطنية والمدنية والإنسانية لشعب بكامله وعلى طول الوقت. ماذا عدا على ما بدا ليقبل فريق ترامب وفريق نتنياهو بمنطق الأنسنة، وقد اتفقا على شطب حقوق اللاجئين المشروعة وهي من أكبر القضايا الإنسانية التي لم يتجرأ أحد على شطبها على مدى 70 عاماً باستثناء أصحاب دعوة إنقاذ غزة. ليس هذا وحسب بل لقد انسحب الطرفان من اليونيسكو فور اعترافها بعضوية فلسطين وقطعا الدعم عنها، وانسحبا من مجلس حقوق الإنسان لأنه أدان الانتهاكات الإسرائيلية الموثقة، هاتان الدولتان اللتان لا تتورعان عن معاقبة كل من يختلف معهما في المواقف، حتى لو كان ينتمي للديانة اليهودية بالنسبة لإسرائيل. لا يمكن أن تنشأ لديهما نوازع إنسانية دون سابق إنذار. 
الملفت في خطاب "حماس" هو خفوت الهجوم على الصفقة، وغياب الهدف الوطني المتمثل "بالتحرر من الاحتلال"، وبالخروج من علاقات التبعية والوصاية للدولة المحتلة. إنها تتماهى في طرحها ومفاوضاتها غير المباشرة مع عناوين الصفقة التي تتلخص بتركيز الحل ليس فقط في بعده الاقتصادي وحيد الجانب وإنما في شطب البعد التحرري الوطني. ولا يمكن فهم التفاوض على كهرباء وماء وميناء وفرص عمل مقابل هدنة طويلة الأمد غزة. منذ متى اقتصرت القضية الوطنية على الجانب المعيشي الذي لا يمكن حله في ظل استمرار سيطرة الاحتلال المباشرة وغير المباشرة، وفي ظل علاقات التبعية والتوحش الاقتصادي الذي كرس واقع الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً في كل أنحاء العالم. أين القدس واللاجئون وضم أجزاء كبيرة من الضفة من معادلة فك حصار مقابل هدنة طويلة. لماذا رفض الشعب الفلسطيني خطة مارشال في قطاع غزة وقاومها وأسقطها في خمسينيات القرن العشرين، لماذا رفض الشعب الفلسطيني روابط القرى وقاومها وأفشلها؟ ولماذا جرى رفض ومقاومة خطة السلام الاقتصادي التي طرحها نتنياهو في العقد المنصرم؟ 
افتراض ثان: يظن واضعوه أن "الإخوان المسلمين" - و"حماس" امتداد لهم - قدّموا البرهان تلو البرهان على أنهم جزء لا يتجزأ من علاقات التبعية، وبهذا فإن مقايضة البقاء في الحكم ونيل الرضا الأميركي الإسرائيلي مقابل تمرير الصفقة لا يتناقض مع السياق التاريخي للإسلام السياسي في أكثر من بلد. هذا يفسر ضعف الحساسية إزاء قضايا الوطن وقوة الحساسية إزاء المصالح الفئوية. ويفسر الاستثمار في المقاومة لا من أجل التحرر وإنما من أجل السيطرة على المجتمع ومقايضة تلك السيطرة في تثبيت وشرعنة الحكم. ويفسر أيضاً مقاطعة المجلس الوطني وإعلان الحرب على المنظمة في الوقت الذي اندلعت فيه أهم معركة سياسية ضد صفقة تصفية القضية الفلسطينية. 
Mohanned_t@yahoo.com