المرأة الزئبق .. لا ترسمها الكلمات.. محمود عساف

الأحد 01 يوليو 2018 03:36 م / بتوقيت القدس +2GMT
المرأة الزئبق .. لا ترسمها الكلمات.. محمود عساف



قرأت لعدة مرات مقولة محمود درويش: (وكن نرجسياً إذا لزم الأمر) وأيقنت حد الاستسلام أن النرجسية علاج التعامل مع المرأة الزئبق التي تخلق الكبرياء من رحم الحنين، وتعلن التمنع من تاريخ الرغبة، وتتوضأ بالازدواجية بين ما تريد منه وما تود من نفسها، أسيرة الحيرة والارتياب، تتظاهر بالتجاهل والانشغال، غليظة القلب تارة، ورؤوفة القلب تارة.

هذه المقدمة، ما هي إلا استكمالاً لمقالات سابقة حول أنماط المرأة وليس تقليلاً من شأنها، وإنما محاولة للخوض في بعض نفسها المسيجة التي أربكت طبيعة العلاقة بينها وبين الآخرين.

فقد سمعت وقرأت وتعاملت مع تلك (الزئبق) في كثير من أمور حياتي، إلى الحد الذي أيقنت فيه أنها الصورة الدافعة للمرأة.. مزاجية حد الاعتراف، تعترف بأنها ليست منزعجة لكن تقرر الرحيل فجأة، تكره بقدر الحنين، تتمتع ببرود أنثى راقية جداً، وتعشق نفسها بحجم كبرياء نساء الكون أجمعين، عاطفتها مطاطة ونفسها مغرورة في حد ذاتها، رغم انكارها لذلك، لا ترغب بالسلام الظاهري لغيرها، وتحاول أن تفشل كل مفاوضات القلب .

قد يعتري القارئ للوهلة الأولى، إحساس بأني أتجنى عليها، أو أني أحاول تشويه صورتها الذهنية، وفي الحقيقة أني لم أوفيها حقها بعد، فهي موجودة بيننا، ونتعامل معها لكن لا نستطيع وصفها، فمن ممارساتها الباعثة على الاستفزاز أنها تقابل الحبيب كالغريب وليس رزانة أو تمثيل للرقي، بل استخفافاً بكل ما يولد السعادة، أسرع من يخلف الوعود، بحجة الوعي أو التفكير وفوق ذلك تلقي باللوم والتقصير على الطرف الآخر كأنه يحق لها ما لا يحق لغيرها، واهمة بنفسها، تفتش عن الشخص يرضي طموحها وما أن تحصل عليه، ترفع سقف توقعاتها معه لأكثر مما كانت تتمنى إلى أن تخسره ، وتدعي أنه خسرها .

وأبرر هنا قساوة كلامي بأنه ليس تجريحاً في كينونة المرأة التي سبق ووصفتها بالياسمين، ولكن تشريحاً لبعض نفسها التي قد تعكر صفو حياتنا، فهي تحلم بشريك لا يأكل حتى تأكل ولا يرتاح أمام همها، ولا يبتسم إلا بحضور ابتسامتها،  ولا ينام بدون أن يطمئن عليها، ويهتم بأدق تفاصيلها، ولا تكلف نفسها بتقدير ذلك كله، إلى الحد الذي قد يكون فيه آخر اهتماماتها.

الزئبق لا يكون شكلاً محدداً وكذلك المرأة الزئبق لا تكون تفكيراً محدداً، وتقيس الأمور بسوابقها، وتقيم الحد على الجميع بسبب خطأ أو فشل كانت هي أول أسبابه، ترى في الرجل الذي لا يرضي طموحها، ولا ينصاع لصراعها الداخلي مفترساً للعقول، يمارس الغدر التعبيري من دون أفعال، ولا تكلف نفسها بأن تعطيه فرصة للتقرب منها أو إثبات عكس ذلك، فتسرف في الحب والعطاء فجأة، وتنسحب فجأة، ولتقصير مبرر تدعي أنها ازدادت جمالاً بغياب من تحب، وما هي في داخلها إلا منجم فحم ينتظر الاحتراق .

تعلق تقصيرها المتعمد غالباً لجذب مزيد من الاهتمام على شماعة الوعي، وقلة الخبرة، وهي في حقيقتها قطعة ثلج تستخدم الدهاء على أتفه الأشياء، ترى في نفسها سكر محلى ممزوج بالقهوة الصباحية، ومن الواجب أن تسلب العقل والروح، وأنها محل اهتمام يجب أن يدوم، وأنها قافية مضافة للأبجدية، وما أن تواجه من يفهمها ويعرف كينونة نفسها، ولا تقنعه دموعها ومبررات تكرار أخطائها، تعتبره نرجسياً، وما هو إلا من عرف أسرار تصرفاتها .

ورغم كل ما ذكرت، إلا أني أرى أنها تمتع بأنوثة طاغية وسحر محبوك، وأحاسيس معتقة لولا ذلك الدهاء والازدواجية التي جعلتها زئبقية.

أيتها الزئبق.. انظري حولك، وقارني بين ما تملكين وما يملك غيرك من الجمال، وتأكدي أنك تتمتعين بحراسة لا يتمتع بها غيرك ممن هن أكثر منك جمالاً، وأهدأ نفساً وأكثر تواضعاً . فالناس أصبحت تسير في الشوارع منقرضة الروح، تصرخ من شدة الحاجة إلى الأمان والاطمئنان، تتراكم الأشباح والأوهام في ذاكرة الكثير في حياة بدت كموكب رئيس مخلوع، فلوني صفاء السماء بروحك الواحدة، وتنازلي عن قواعدك الاستثنائية، والضوابط الانتهازية.. كي نعيش بسلام بلا حقد وازدواجية .

كيف للروح الجميلة أن يحولها الزئبق؟! كيف للدافئة الرقيقة أن تخون الياسمين ؟! فأسوأ الأشخاص ذلك الذي قبل أن يتلقف احساسك الشارد وأفكارك المثقوبة إلى أن أصبحت بخير ثم زج الانطفاء في داخلك كأنه لم يكن