الصفقة: مطلوب البصمة الفلسطينية..صادق الشافعي

السبت 30 يونيو 2018 02:52 م / بتوقيت القدس +2GMT



الموقف الفلسطيني هو حجر الزاوية في التصدي لصفقة القرن الترامباوية.
يبقى كذلك في ذاته ومركزيته، ويبقى كذلك في تصليبه للموقف العربي والتحالفي. 
صفقة القرن التي يعد الرئيس الأميركي بإطلاقها: بمحتواها المركزي وبنودها الرئيسية وأهدافها لم تعد في موقع التكهن ولا الاستقراء. الصفقة أصبحت مكتملة وواضحة، حتى في دينامية وتكتيك طرحها وتمريرها، وأصبح موعد إطلاقها اقرب من حبل الوريد. 
الصفقة لا تضيف مكسباً إضافياً مادياً جديداً الى ما تفرضه دولة الاحتلال بقوة احتلالها، كأمر واقع، وحقائق سياسية ومادية ودينية وأمنية وسكانية واستيطانية وحدودية ومغتربين و...و.... 
الولايات المتحدة توافق على كل ذلك وتدعمه بقوة، وتضمّنه كاملاً في صفقة عصرها.
المجتمع الدولي يتعايش مع حقائق الأمر الواقع هذه، ولا تزال قراراته الرافضة او المُدينة بلا أسنان، ولا تزال في نطاق المحمول والممكن لدولة الاحتلال التعايش معه.
لكن هذا الأمر الواقع، ومع الموافقة والدعم الأميركيين، لا يمتلك الشرعية: لا الشرعية الفلسطينية ولا العربية، ولا الدولية.
هدف الصفقة الحقيقي هو تأمين هذه الشرعية، وترسيم الأمر الواقع نهائياً بالاعتراف به من قبل الفلسطينيين أصحاب الحق الشرعيين (بصمتهم هي المطلوبة أولاً وأساساً) ومعهم العرب، ليكونَ ذلك بوابةَ الاعتراف بدولة الاحتلال كنظام من أنظمة الإقليم والسلام معها والانفتاح عليها، ولتصبح الشرعية الدولية، بعد ذلك، تحصيل حاصل.
لم يعد هناك ارادة او استعداد أميركي طوعي لإحداث تغييرات وتعديلات ذات قيمة على الصفقة. ما يبقى ممكناً، ربما، إدخال تعديلات هامشية وشكلية لا تغير ولا تمس بجوهر الصفقة ومبادئها، استرضاءً شكلياً لمطالب بعض الأطراف.
الحالة الوحيدة التي يمكن للرئيس الأميركي ان يأخذها بالاعتبار وتفرض نفسها وعدم تجاهلها، هي اذا ما ووجه بموقف صلب وموحد يرفض الصفقة بما هي عليه من كافة الأطراف المقابلة له، ولربيبته دولة الاحتلال. 
والأطراف في حالتنا هم القيادة السياسية الفلسطينية أولاً وأساساً، ومعها الدول العربية، ثم تحالفات داعمة إقليمية ودولية. فهل هذه الحالة متوفرة؟ 
نبدأ بالدول العربية، الموقف الرسمي العربي ما زال يلتزم بالركائز الأساسية التي أكدتها القمة العربية الاخيرة في السعودية: الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة 1967، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة عليها، والقدس عاصمة لتلك الدولة، وحل عادل لقضية اللاجئين، إضافة الى التمسك بالمبادرة العربية للسلام.
 لم يحصل ان اي دولة عربية أعلنت خروجها عن هذا الموقف او اي من ركائزه الأساسية. (وان كان ذلك لا يلغي موقفاً لشخص ما او جهة بعينها تشكل درجة من الخروج على الموقف).
تأكد ذلك في التصريحات التي صدرت عن أعلى المستويات في الدول التي زارها مبعوثا الرئيس الاميركي والمتعلقة اساساً بصفقة القرن والتحضير لاطلاقها.
الموقف الدولي يتنوع بين مؤيد للموقف الفلسطيني/العربي الرافض للصفقة (بشكل خاص الدول الاسلامية) وبين متشكك بنواياها ومتفهم لرفضها، وبين معارض لها.
الموقف الفلسطيني يبقى مفتاح المواجهة وحجر الزاوية فيها. وهو، ممثلاً بالقيادة السياسية بكل مكوناتها التنظيمية وكافة مؤسساتها وتعبيراتها، يتمسك بموقف رافض ومتصدٍ حتى التصادم مع صفقة الرئيس الأميركي: كأفكار ومبادئ ومفردات وإطار.
ويحظى هذا الموقف بالتفاف وتجاوب جماهيري يصل حد الاكتمال.
الولايات المتحدة، لا تخفي انزعاجها من هذا الموقف. وقد اكتسب هذا الانزعاج تعبيرات عملية ملموسة أهمها الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل سفارتها اليها، والسعي لإغلاق البعثة الفلسطينية في واشنطن، ووقف المساعدات المادية، والانضمام لدعوة دولة الاحتلال بحل وكالة غوث اللاجئين، الى الدفاع عن دولة الاحتلال والتصدي لأي إدانة لها في المحافل الدولية، الى...الى.... 
أصبحت مشاريع ومناورات الالتفاف على القيادة الفلسطينية وتجاوزها تخرج الى العلن واضحة وسافرة. وزاد على ذلك، التهديد المباشر لها وتحريض مواطنيها عليها وعلى موقفها الرافض للصفقة.
في هذا السياق، تذكرت الولايات المتحدة الأحوال الإنسانية شديدة التردي في قطاع غزة لتتخذ منها مدخلا لمناورة جديدة وخطيرة، ليس فقط للالتفاف على القيادة السياسية الفلسطينية وتجاوزها، بل لقسمة التمثيل السياسي الكياني الفلسطيني.
فالوضع الإنساني في غزة اصبح لازمةً ترافق تحركات أميركا وحلفائها لتمرير الصفقة، وعليه بنيت مناورة الفصل بين الإنساني والسياسي، الهادفة الى توليد كيان سياسي موازٍ، ومتساوق مع مناورتها.
هذه المناورة مكشوفة ومرفوضة تماماً من كل القوى الفلسطينية السياسية والمجتمعية، وان كان ذلك لا يلغي وجود أصوات نشاز محدودة جداً، تغرد خارج الرفض والإدانة وتعبر عن نفسها غالباً عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
في مثل هذا الحال: يصبح تعميق الانقسام وزيادة تأزيمه وتوسيعه، نوعاً من الكفر، بالمعنى السياسي والوطني، وربما الديني أيضا. وتصبح وحدة الموقف الوطني الفلسطيني الجامع، ضرورة لا تضاهيها ضرورة. 
يصبح التجاوب مع المساعي والمناورات الأميركية والإسرائيلية باي قدر وعلى اي مستوى، حتى ولو بالسكوت او إرسال إشارات التجاوب المبطنة او عبر وسطاء، أو المواقف الرجراجة وعدم الإدانة والرفض الواضحين، يصبح ذلك نوعاً من التواطؤ المدان وطنياً.
ويصبح من الضرورات الوطنية، تجاوز الخلافات او تسكينها، وعدم افتعال خلافات في غير زمانها وموضعها ( مثل ظهور الدكتور عزيز الدويك بعد سنين عديدة من الاختفاء والصمت ليفتح موضوع خلافة الرئيس بينما الموقع ما زال مسكوناً).
ويصبح تفعيل الحركة الجماهيرية الرافضة والمُدينة لصفقة الرئيس الأميركي ومناوراته وتحريضه هي الشغل الشاغل الآن للحراك الشعبي في جميع مدن وقرى ومخيمات وتجمعات الشعب الفلسطيني في الوطن وفي الشتات والمهاجر.