وماذا بعد درعا؟؟ هاني عوكل

الجمعة 29 يونيو 2018 08:11 م / بتوقيت القدس +2GMT



تماماً مثلما جرى في الغوطة الشرقية بالعاصمة دمشق، يجري الآن في الجنوب السوري الذي أعدت له القوات الحكومية السورية العدة؛ للسيطرة عليه بالكامل وإنهاء وجود المعارضة المعتدلة وقبلها تنظيم "داعش" الإرهابي.
كان من الصعب على النظام السوري الدخول في مثل هذه المعركة لولا الدعم الكبير الذي تحصّل عليه من روسيا، خصوصاً أن منطقة الجنوب الغربي تعتبر واحدة من المناطق المهمة التي توليها كل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل كل الأهمية.
واشنطن تعطيها الأهمية لأن تل أبيب تراها منطقة جغرافية لا بد أن تكون آمنة ومحاطة بالأصدقاء لا الأعداء، ولذلك كان ملاحظاً تخصيص منطقة لخفض التصعيد في الجنوب السوري اتفق حولها بين الولايات المتحدة وروسيا والأردن قبل حوالى العام.
في وقتها، تشاورت القيادة الإسرائيلية مع نظيرتها الروسية حول ضرورة وجود ترتيبات للحفاظ على الأمن والتأكد من سلامة المنطقة الحدودية جنوب غربي سورية، وتوسعت شبكة تأمين الضمانات التي تريدها تل أبيب من موسكو إلى حد إقصاء الوجود الإيراني من الجنوب بما يزيد على 40 كيلومتراً إلى الشرق أو الشمال الشرقي.
كل طرف دولي يسعى إلى حماية مصالحه في سورية، ذلك أن الروس الذين اخترعوا مناطق خفض التصعيد التي سبق أن اقترحها المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا، رأوا فيها حماية للقوات الحكومية السورية من مسألة تشعب مسارات الاشتباك.
من وراء مناطق خفض التصعيد التي أفضت إلى إقامة أربع مناطق في أيار 2017، تمكنت القوات الحكومية السورية من السيطرة على الغوطة الشرقية وتأمين دمشق بالكامل إلى عمقها في الجنوب، وبالمناسبة لم يحدث أن وقّعت الحكومة أو المعارضة على إنشاء تلك المناطق.
الآن هناك معركة مفتوحة في الجنوب حيث توجد منطقة خفض التصعيد، وهي معركة يبدو أن النظام السوري حصل فيها على ضوء أخضر روسي للسيطرة عليها في أقل وقت ممكن، ويعتقد أن هناك ترتيبات حصلت مع الأميركان والإسرائيليين جعلت القوات الحكومية توجه بوصلتها العسكرية إلى الجنوب.
قد يجوز أن الإسرائيليين حصلوا على ضمانات أمنية من روسيا، مثل: عدم تزويد السوريين بصواريخ أس 300، وإبعاد الوجود الإيراني عن الجنوب الغربي، ووضع قوات حدودية سورية بعتاد عسكري خفيف أو في أبعد تقدير نصب مضادات دفاعية تستجيب فقط مع ساعات الطوارئ.
أيضاً، يمكن القول: إن الموقف الأميركي تبدّل فيما يتعلق بمسألة الجنوب، إذ سبق لواشنطن أن هددت النظام السوري من مغبة الإقدام على شن عملية عسكرية، وحينما أقدم بالفعل تغيرت النغمة الأميركية تجاه المعارضة إلى حد عدم توقع أي فعل من الأولى للثانية.
ثم لا بد من وضع الاستعدادات لعقد قمة بين الرئيسين بوتين وترامب في الميزان، إذ يسبق هذه القمة لقاءات ثنائية تهدف إلى ترطيب الأجواء بين البلدين والنقاش حول القضايا محل الاختلاف، ويمكن تفسير جولة مستشار الأمن القومي الأميركي إلى روسيا على أنها تصب في هذا الاتجاه.
يلحظ هنا أن الموقف الأميركي من سورية يأخذ منطق المساومة السياسية بامتياز، إذ يتبدى لدى الأميركان أن ساعة الرحيل عن سورية تحين كل يوم وهم مقتنعون بأن النظام السوري باقٍ وعلى رأسه بشار الأسد، لكنهم يبحثون في مسألة ثمن الرحيل.
التاريخ يشهد أن الإدارة الأميركية قدمت دعماً سخياً للمعارضة السورية المعتدلة، وحينما شاهدت ضعف الأخيرة توقفت عن تقديم الدعم وراهنت على طرف آخر هو قوات سورية الديمقراطية، واليوم ليس لديها أي مانع من التنازل عن دعم الأكراد مقابل الحصول على ثمن جيد.
على كل حال، يمكن القول: إن القوات الحكومية السورية تستعجل الآن إنهاء عمليتها العسكرية في الجنوب وتأمينه بالكامل، لأن ذلك لو حدث فإنه سيعني الكثير للنظام الذي لم يتبق أمامه سوى فتح معركة في الشمال مع الأكراد والمعارضة المعتدلة.
قبل إطلاق عملية عسكرية نحو الجنوب، كان الرئيس بشار الأسد يردد مقولة: إن قواته في طريقها إلى السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة السورية، وهذه التصريحات كانت بمثابة رسالة إلى الأكراد بأن عليهم القبول بالتفاوض أو الرفض ومواجهة القتال.
الآن بعد درعا ومحيطها، لن يكون أمام القوات الحكومية السورية إلاّ الشمال وشرقه، وطالما أن النظام استكمل معركته حتى في ظل وجود منطقة لخفض التصعيد في الجنوب، فإنه سيمضي في تحقيق أهدافه التي وضعها سلفاً.
بالسيطرة الكاملة على الجنوب سيكون النظام قد أضاف إنجازاً إستراتيجياً إلى إنجازاته العسكرية، وسيعني ذلك سيطرته على أكثر من 65% من مساحة البلاد، في الوقت الذي تنشط فيه روسيا لتأمين حل مناسب في مربع الشمال السوري مع الأميركان والأتراك.
ثمة أمر مهم ينبغي الإشارة إليه في هذا المقام، وهو أن روسيا التي سبق وأعلنت عن انسحاب جزئي لقواتها من سورية، تستكمل اليوم هذا الانسحاب الجزئي بسحب حوالى 27 طائرة حربية و1140 جندياً، حيث يأتي في خضم معركة الجنوب الحالية.
ربما يكون موضوع الانسحاب الجزئي مناورة سياسية تهدف في المقام الأول إلى إحراج الدول الموجودة في سورية بأن عليها الاستعداد للرحيل، أو أنها تأتي في إطار مظلة أعم تقوم على التجهيز لتسوية الأزمة من الجذور.
ثمة "طبخة" يجري تحضيرها لسورية، إذ من المهم الوقوف عند معركة درعا وتوابعها ونعومة الموقف الأميركي من منطقة خفض التصعيد في الجنوب، والتجهيز لقمة ترامب- بوتين، إضافة إلى السحب الجزئي للقوات الروسية من الأراضي السورية.
خلاصة القول: إن الجنوب قد يكون المحطة قبل الأخيرة في هذه الجولة الطويلة من النزاع، لأنه حين ذلك لن يكون أمام النظام السوري سوى معركة الشمال ومن ثم التحضير لتسوية سياسية كبرى، اللهم إلا إذا اتفق اللاعبون الكبار على مسألة تجنب الشمال عملية عسكرية وإخضاعه للنظام السوري مقابل مساومات كبرى تنهي ملف هذه الأزمة المعقدة.
Hokal79@hotmail.com