بلا شك ان ما قامت به حركة حماس من اعتداءات وحشية طالت عدد كبير من الصحفيين الفلسطينيين العاملين لدى وكالات الانباء والمواقع المحلية والعالمية وما صاحب تلك الاعتداءات من اعتقالات عديدة يشكل وصمة عار في وجه حماس واجهزتها الامنية ويمثل تراجعا كبير في مستوى الحريات في قطاع غزة الذي يشهد حصارا كبيرا وتدهورا حادا في مستوى الحياة والحريات بشكل بات يهدد صاحب كل قلم حر وكل حامل كاميرا يؤمن بالحرية وبضرورة الانتماء للقيم العالمية من الحرية والانطلاق.
ان الاعتداءات الاثمة التي طالتني وزملائي داخل ساحة السرايا لهي دليل على عدم انعدام كلا اّفاق الانطلاق أمام صحفيي غزة الذين باتوا بين المطرقة والسندان في القطاع المدمر والمحاصر.
ان الهجوم الوحشي الذي تعرضj له وزملائي وماولة تكسير الكاميرات وتوجيه اللكمات بصورة قاسية عوضا عن السب والشتم والقذف يبعث برسالة واضحة الى كل المعنيين بان الواقع في قطاع غزة يتدهور بصورة خطيرة وان حياة حاملي القلم من الكتاب والصحفيين في خطر شديد ولا احد يضمن كيف يمكن ان تتطور تلك الاساليب في المستقبل ضد كل من يخالف الري او ينقل معلومة لا ترضي اصحاب القرار في غزة.
اننا كصحفيين في قطاع غزة ندفع ثمنا كبيرا في ثلاث اتجاها هي حماس واسرائيل والانقسام الفلسطيني حيث تشكل تلك الاطراف ثالوثا مدمر لكل عمل صحفي وراي حر فيما تخلص اجواء من الرعب والخوف يساهم في حد كبير بوجود الرقابة الذاتية التي تمنع الصحفيين من القيام بعملهم الحقيقي.
ان ما تعرضت له وزملائي بعد اعتقالنا من اهانات وتعديات وتهديدات غير مسبوقة يجعلنا نقف حائرين امام تطورات الاوضاع في قطاع غزة وانهيار منظومة القيم لدى حكام غزة ونظرتهم للصحفي الفلسطيني.
ان المعاملة الوحشية والتي تضمنت الضرب والبصق والاهانة والحرق والاتهام لكاتب هذا المقال بأنه عدو لحماس والشعب الفلسطيني يضعنا امام مفترق طرق خطير يهدد فعلا مصير العشرات من الصحفيين العاملين في قطاع غزة والذين يرفضةن الظلم ويصرون على تغطية صحفية اعلامية موضوعية ترفض ان يتم قهر الناس باسم السياسة والدين .
اننا امام مفترق طرق حقيقي يتطلب من الجميع التدخل لحماية الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة من تهديدات حقيقية قد تصل الى حدود لا يتوقعها احد وذلك في ظل التدهور المستمر والخطير للاوضاع في قطاع غزة.
في واحد من أهم التساؤلات التي تتداخل فيها الإجابات، وتتشعب فيها الأسباب، وتحتار فيها التفسيرات حول مشكلات هذا الجيل وما آل إليه حاله من التناقضات، رغم التقدم الكبير في أساليب التربية والتعليم على مستوى المؤسسات التربوية الرسمية وغير الرسمية، وعلى درجة كبيرة من الحيرة يبرز السؤال: لماذا هناك إشكالية في تعديل السلوك غير المرغوب رغم ما يبذل في سبيل تحقيق الأهداف التربوية؟ لماذا لم تعد تؤثر المؤسسات التربوية في تشكيل سلوك الطلبة المرغوب رغم الاعتماد على أحداث الطرق والوسائل، وتحسين جودة المدخلات، واتخاذ التدابير اللازمة في سبيل ذلك؟ ألهذا الحد لم ينجح الخطاب التربوي في تشكيل اتجاهات تنطوي على العقلانية والمنطق وقبول الآخر والتسامح، والإبداع؟ وبعيداً عن إجابة هذا السؤال، الذي قد تبدو إجابته خلافية بين مؤيد ومعارض، لا أعتقد أن هناك خلاف بين عاقلين على أن هذا الجيل لا يتصف بما نصبوا إليه، ولا بما نطمح معه لبناء مستقبل مشرق، وإن كان الخير فيَ وفي أمتي إلى يوم الدين، إلا أن الشواهد العامة لا تبشر بخير، شواهد تجعلنا نقارن حالنا بحال غيرنا. قد يكون جميعنا ضحايا وقد يكون أغلبنا مقصرون، ضحايا أنظمة متوارثة لم تخلف إلا التبعية ولم تعتاد إلا التنفيذ، ومقصرون في اعتماد أسلوب التلقين الذي لم ينمي نسقاً قيمياً يتناسب مع الأهداف التربوية المعلنة، أو ينمي المسؤولية الاجتماعية والوطنية بأقل دليل يتمثل في عدم الحفاظ على الممتلكات العامة والرغبة في الهجرة، وتراجع الانتماء الوطني، وانحسار الغايات في اجتياز الامتحانات والحصول على الشهادات. إن ما يحدث لا يخرج عن أن الخطاب التربوي ينمو المنحنى اليوتيوبي في معالجة القضايا المجتمعية، والدعوة إلى الحوار والتسامح وقبول الآخر، والحفاظ على الصالح العام، فبينما يدعو إلى مجتمع نموذجي- المدنية الفاضلة- تذوب فيه الفوارق ويطبق فيه القانون والعدالة، وأن لكل مجتهد نصيب، وأن يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وما يجب أن يكون، يرى الأفراد بأم أعينهم ويعايشون واقعاً يتناقض تماماً مع بيانات وتوجهات الخطاب التربوي. وما يزيد الطين بله، هو أن استسلام المتعلمين في ظل تراجع الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمعلم لمعلوماته ومعارفه بطريقة التلقين، أدى إلى تنامي ظاهرة النمطية في البحث والكلام، والحديث، وتقمص الشخصيات والتقليد، وهو ما نراه شاخصاً على مواقع التواصل الاجتماعي من القص واللصق وعدم التحري حول المعلومات. وهنا نصل إلى مسألة لا بد من الإشارة إليها وهي الخلط المتعمد بين الخطاب التربوي والخطاب السياسي، الذي سحب العملية التعليمية لتكون أداة سياسية تنظيرية، دون أن يكون لها الأثر الفعلي في التغيير مما ترتب على ذلك تنامي ظاهرة الاغتراب عن المجتمع الناتج عن: (يقولون ما لا يفعلون)، والإحساس المرارة والقهر نتيجة التناقض بين المكانة الاجتماعية ومستوى التعليم، وإضفاء هالة من التقديس على أصحاب القرار والخطاب التربوي الممزوج دينياً باعتباره امتحاناً سماوياً يختبر الصابرين. لعل ما كتبت بين السطور أعمق مما هو عليها، وللقارئ حرية التحليل بحجم الوجع الذي ينتاب المخلصين من التربويين، والذين يرون أن كل ما ينفق على التعليم والتربية والإصلاح لم يؤتي ثماره بالكم والنوع المطلوبين، وبحجم اللامبالاة التي تسري في دم المزيفين منهم الذين حملوا ألقابهم لينفعوا أنفسهم ومصالحهم الضيقة، وخانوا القسم ولم يفكروا استراتيجيا بالأجيال القادمة. لذا فإني أرى أن خطابنا التربوي لم يعد أداة لإصلاح الخطاب السياسي، وأنه يعيد إنتاج نفسه، وإن كان يحمل عبقاً من التجديد فهو يقتصر على تنمية الميول المتناسبة مع أيديولوجيا النظام الاجتماعي القائم، أيديولوجيا التعبئة فقط.