عكس التناقض في التقديرات للمحللين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين لتطورات الأوضاع في قطاع غزة على وقع مسيرات العودة المتواصلة منذ آذار/مارس الماضي، ومواجهة حركة حماس للسياسات الإسرائيلية ونهج جيش الاحتلال، عكس حالة التخبط التي تعيشها المؤسسة الإسرائيلية بكل ما يتعلق بحسم الملف عسكريا بعد استبعاد التسوية السياسية مع حماس رغم تفاهمات التهدئة بين الأطراف برعاية مصرية والتي غالبا ما يتم انتهاكها لتذكر الأحداث بهشاشة الوضع وإمكانية تجدد المواجهة.
تنقسم الآراء بالساحة الإسرائيلية ما بين خسارة حماس لمعركة مسيرات العودة ووصولها إلى طريق مسدود وبين الآراء التي ترجح غير ذلك، وتشير إلى أن مسيرة العودة وتداعياتها تمهد لمواجهة شاملة.
ولتفادي إمكانية المواجهة العسكرية الشاملة مع قطاع غزة، يبحث المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية 'الكابينيت'، اليوم الأحد، الوضع الإنساني في غزة وإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية في قطاع غزة.
ويبحث "الكابينيت" عدة مقترحات لتخفيف الحصار على غزة، والتي بلور بعضها المنسق الأممي الخاص بالشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، وهي المقترحات التي قبلت إسرائيل دراستها عقب الضغوطات الدولية والتحذير من كارثة إنسانية بالقطاع بفعل الحصار المتواصل منذ 12 عاما.
من بين المقترحات المطروحة للنقاش مسألة السماح بإدخال 6 آلاف عامل من غزة للعمل في إسرائيل، وتحويل حاجز بيت حانون "إيرز" لمعبر تجاري وربطه مع ميناء أسدود وتسهيلات أخرى لسكان غزة.
وتلقى المقترحات ترحيبا خجولا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ودعما من الجيش، بينما وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، جدد شروطه بمنح قطاع غزة التسهيلات مقابل تسليم جثامين الجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس.
محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أوصى "الكابينيت" أن يأخذ بعين الاعتبار خلال مناقشته للأوضاع بغزة، أحداث "مليونية القدس" يوم الجمعة الماضي.
وزعم أن حركة حماس استنفذت كافة الإمكانيات وبطاقات المناورة، قائلا: "ليس لدى حماس المزيد من براءات الاختراع لتحسين وضعها، وما تبقى هو التعبئة الشعبية المستمرة لضمان استمرارية المواجهات والحفاظ على التوتر العسكري في مواجهة إسرائيل".
وأدعى محلل الشؤون العسكرية في مقال له أنه بعد عشرات القتلى وآلاف الجرحى، وصلت حماس إلى طريق مسدود. بدون إجابات للجمهور الفلسطيني بالقطاع، حيث حاولت حماس للمصالحة مع السلطة الفلسطينية، لكن ذلك فشل، كما توجهت وتحولت إلى مصر وكانت خيبة أمل، حاولت الهدنة مع إسرائيل، كما حاولت استثمار "مسيرات العودة" على السياج، وفي نهاية الأسبوع، ثبت أن هذه الخطوة لم تسفر عن نتائج سياسية، على حد زعمه.
وللتغطية على عجز إسرائيل في مواجهة مسيرات العودة والأحداث على طول السياج الأمني، أختار فيشمان التقليل من انجاز حماس، زاعما أنها تخسر المعركة وإنها في أزمة حكم، لكنها تبقى على قدميها، ويعتقد أن حماس لم تتلق ضربة حقيقية من إسرائيل من شأنها أن تعطيها الشعور بأن نظام حكمها في خطر، في إشارة منه للمؤسسة العسكرية لتوجيه ضربة قاضية إلى حماس.
لذلك، وحسب فيشمان، فإن فشل مشروع مسيرات العودة في الأشهر الأخيرة "يجعل حماس حركة أكثر راديكالية، وهي تبحث عن طريق إلى المحور الإيراني، ما يعني أن التوتر كما الفوضى ستستمر على طول السياج الأمني مع القطاع".
خلافا لهذا الطرح، يعتقد المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن الهدوء النسبي الذي ساد منذ انتهاء العملية العسكرية "الجرف الصامد" قد تبدد وانتهى، حيث من المتوقع أن تواصل حركة حماس التظاهرات في الصيف، مبينا أن لدى حماس مزيج جديد من الوسائل، المظاهرات التي تذهب للمواجهة والمفرقعات النارية والصواريخ في بعض الأحيان، للحفاظ على نار المقاومة.
ليس من المؤكد يقول هرئيل أن "يتحول الوضع إلى مواجهة عسكرية شاملة، لكن ذلك لا يعتمد فقط على حركة حماس، إذ سارعت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى تلخيص مظاهرات يوم الجمعة الماضية باعتبارها فشلا ذريعاً لحماس. وكان عدد المتظاهرين في الواقع أقل مما كان متوقعا، أكثر من 10000 وفقا لتقديرات الجيش الإسرائيلي، ولم يتم اختراق السياج على طول حدود قطاع غزة".
هناك عدة تفسيرات محتملة، حسب المحلل العسكري، لكل ما يتعلق بالتراجع في أعداد المشاركين في مسيرات العودة، قائلا: "قد يكون هذا مرتبطا بالتعرف التوضيحي لمظاهرات الجمعة مع إيران، التي وعدت بتوزيع الأموال على المتظاهرين، وفي نفس اليوم، بدأ "يوم القدس" الإيراني. ومن الممكن أيضا أن يكون الناس خائفين من الإبلاغ بسبب ارتفاع عدد القتلى بنيران الجيش في المظاهرات السابقة، وفي ظل التهديدات الإسرائيلية المحددة للهجوم من الجو على قطاع غزة".
لكن من منظور أوسع للمحل العسكري هرئيل، فإن قيادة حماس في قطاع غزة قد مرت بالمحاكمة والخطأ بطريقة غير فعالة في كفاحها ضد إسرائيل. لدى حماس الآن مزيجا جديدا من الوسائل، المظاهرات الجماهيرية التي تتحول إلى مواجهات، قنابل حارقة وأحيانا صواريخ، للحفاظ على نار المقاومة.
على الجانب الإسرائيلي، يقول هرئيل: "التوجيه السياسي الذي يوجهه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى الجيش الإسرائيلي واضح، نتنياهو يريد تجنب حرب في غزة والجيش يعمل وفقا لذلك، وعندما انتهت أحداث الجمعة مع مقتل أربعة فلسطينيين، مقارنة بـ 60 قتيلا في مظاهرات يوم النكبة في منتصف أيار/مايو، من المعقول أن نفترض أن الأوامر والتصاريح الخاصة بنيران القناصين على الجانب الإسرائيلي قد تم منحها هذه المرة على نحو ضئيل".
ولضمان عودة الهدوء النسبي قبل احتمال المواجهة الشاملة، يراهن فيشمان على عطلة عيد الفطر وشهر المونديال من أجل عودة الهدوء على طول السياج الأمني، قائلا: "من المعقول أن نفترض أنه بحلول عطلة عيد الفطر هذا الأسبوع، ومع بدء مباريات المونديال، سوف تضعف المواجهات وتتراجع المشاركات بمسيرات العودة".
لكن، ثم تأتي أشهر الصيف، عندما تنفجر الأحداث إلى مستويات مختلفة، إلى درجة المواجهة الكاملة، وهو الإجماع والاتفاق بين فيشمان وهرئيل، يقول فيشمان: "لقد نفذ سلاح الجو الأسبوع الماضي برنامجا قتاليا متوازيا على جبهتين، التوقيت ليس مصادفة، وأتى على خلفية تقييمات الوضع، إذ أمر رئيس هيئة الأركان الجيش بالتحضير لمواجهة في الشمال مع اندلاع مواجهات في غزة، وهو الوضع الذي يشعل الصراع في قطاع غزة أيضا يشعل الشمال، وذلك على ضوء العلاقات المتنامية بين حماس وحزب الله وإيران".
ويقدم فيشمان النصائح لـ"الكابينيت" بحال أراد حسم ملف غزة، فمن وجهة نظره إذا أراد الجيش تغيير الوضع المتوتر القائم على السياج الأمني، سيتعين على الحكومة اتخاذ بعض القرارات، أولا، قبول توصية الجيش الإسرائيلي بتخفيف الحصار للسماح لحماس بتقديم إنجاز، على سبيل المثال، من خلال السماح للجيش بإحضار آلاف العمال من قطاع غزة للعمل في البلاد. ويمكن لمجلس الوزاري المصغر أيضا أن يقرر المضي قدما في المشروع الذي يقوده مبعوث الأمم المتحدة لتحويل الأموال إلى غزة، متجاوزا حماس والسلطة الفلسطينية.
48