لفت المؤرخ الإسرائيلي، البروفيسور يحيَعام فايتس، في مقال نُشر في صحيفة "هآرتس" اليوم، الأحد، إلى دعاية حزب المعراخ (حزب العمل الإسرائيلي اليوم) لانتخابات الكنيست، عشية حرب تشرين/أكتوبر العام 1973، التي جاء فيها التالي: "يسود الهدوء على ضفة السويس. وكذلك في صحراء سيناء، في الضفة الغربية (للقناة)، في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) والجولان. الخطوط آمنة، الجسور مفتوحة، القدس موحدة، تُقام المستوطنات ومكانة السياسية صلبة. وهذا نتيجة لسياسة حصيفة، جريئة وبعيدة النظر". لكن بعد أيام قليلة اندلعت الحرب وجاء وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه ديان، باكيا إلى رئيسة الحكومة، غولدا مئير، مبشرا بـ"خراب الهيكل الثالث"، بعد أن اجتازت القوات المصرية قناة السويس إلى ضفتها الشرقية، المحتلة، في ما بات معروفا بـ"عبور القناة".
وحذر فايتس، الباحث المختص بتاريخ إسرائيل والصهيونية والمحاضر في جامعة حيفا، من أن الأجواء الحالية في إسرائيل، تحت قيادة رئيس الحكومة اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو، شبيهة إلى حد كبير بالأجواء التي سادت إسرائيل عشية حرب أكتوبر 1973، التي ما زالت إخفاقات إسرائيل خلالها ماثلة حتى اليوم، وأن هذه الفقرة من دعاية المعراخ تؤكد على ذلك.
وأضاف فايتس أن قوة غولدا مئير وسطوتها كانتا بالغتين، ورأى أن الدليل على ذلك هو تعامل وزير المالية حينذاك، بنحاس سَبّير، مع مئير. "لقد كان (سبير) يخاف كحوفه من الموت من إظهار نظرته الحمائمية (أي المعتدلة) حول مسألة مستقبل المناطق المحتلة على ضوء موقفها الأكثر صرامة وصقرية". وكان الشعور حينها أنه لا يوجد بديل لمئير، لا داخل حزبها ولا داخل كتلة المعارضة "غاحال"، المؤلفة من حزبي حيروت (الليكود اليوم) والليبراليين، بزعامة مناحيم بيغن. وحتى أن قادة "غاحال" رأوا بمئير "يهودية فخورة" وقادرة على الصمود أمام القوى الخارجية.
ومثلما هو الحال في إسرائيل اليوم، وفقا لفايتس، فإنه لم يجر في إسرائيل حينذاك أي نقاش حول مبادئ السياسة الأمنية، التي بلورتها مئير وديّان، وبموجبها أن ليس بإمكان مصر عبور قناة السويس، وأن الجيش الإسرائيلي هو جيش لا يمكن الانتصار عليه وأن "الوقت يلعب لصالحنا".
لكن فايتس أكد أن "حرب يوم الغفران حطمت أجواء النشوة، والعجرفة والتحجر السائدة في حينه إلى شظايا، وأدت أيضا إلى نهاية الحكم الطويل لحزب العمل"، إذ صعد إلى الحكم حزب الليكود لأول مرة.
وتابع فايتس، أنه خلال يوم دراسي بمناسبة مرور 40 عاما على وفاة مئير، عقد الأسبوع الماضي، "جاءتني فكرة مقلقة للغاية، وهي أن الأجواء السائدة عندنا الآن تشبه بشكل مخيف الأجواء التي كانت سائدة في العام 1973. وبالأمكان أن نجد فيها المركبات الثلاثة التي سادت حينها. الأول هو شعور النشوة الحالي الحاصل بسبب عدة أمور: نقل السفارة الأميركية إلى القدس – وهذه خطوة رمزية بدون مضمون حقيقي؛ نجاحات سلاح الجو والجيش الإسرائيلي في سورية – التي تذكّر بإسقاط 12 طائرة ميغ سورية في أيلول/سبتمبر 1973 وهي معركة جوية كانت بمثابة مقدمة لحرب يوم الغفران وأحدثت نشوة ليست في مكانها؛ والفرح الهائل بفوز نيطاع برزيلاي في اليوروفيجن، وكأن الحديث عن فوز بجائزة نوبل".
وأضاف فايتس أن المركب الثاني هو "قوة رئيس الحكومة. إذ يسيطر بنيامين نتنياهو على حكومته وحزبه، وخلال ذلك يُنشئ أجواء خوف ورعب، ولا يجرؤ أحد على طرح وجهة نظر مختلفة، وحتى أن أحزاب المعارضة لا تحاول بلورة أجندة بديلة".
أما المركب الثالث، وفقا لفايتس، فهو "الجمود الفكري. ففي المؤسسة الحاكمة الحالية لا يوجد من يفكر بطرق مختلفة عن طريق الحاكم ويطرح أسئلة ثاقبة، مثل هل بالإمكان وقف سفك الدماء البربري في قطاع غزة؟ هل نقل السفارة الأميركية هو الأمر الأهم بالنسبة لنا؟ وهل من المناسب تأييد قرار الرئيس ترامب بإلغاء الاتفاق (النووي) مع إيران بصورة أقل حماسة؟ ومن يشكك في هذه القرارات يعتبر كافرا وغير وطني".
وخلص فايتس إلى أنه "مثلما في العام 1973، يسير المجتمع الإسرائيلي اليوم بعمى خلف زعيم متعجرف ومتغطرس، يقودنا إلى حافة الهاوية".
48