كشف تحقيق صحفي إسرائيلي نشر قبل ساعات الضوء على تفاصيل جديدة وحصرية حول المتهمين بقتل المهندس التونسي محمد الزواري، الخبير العسكري في حركة حماس، الذي عمل في مجال تطوير الطائرات المسيرة دون طيار، حيث تم إطلاق النار على رأسه في كانون الأول/ديسمبر 2016 قرب بيته بمدينة صفاقس، المدينة الثانية الأكبر في تونس.
وأعدت فيزيت رابينا الكاتبة الإسرائيلية بصحيفة مكور ريشون، تحقيقا استقصائيا ترجمته "عربي21" جاء فيه أن "محكمة كرواتية طلبت مؤخرا تسليم مواطن بوسني إلى تونس، لأنه المتهم باغتيال الزواري، وهذه هي البداية، لأن هناك توقعات بأن تحصل طلبات تسليم دولية إضافية، مما يطرح أسئلة حول العلاقة بين جوازات السفر البلقانية وعمليات الاغتيال التي تقع خارج إسرائيل".
وأضافت أن "الحديث يدور عن "آليم تسيمدزيتش" المواطن البوسني، الذي توجه يوم 13 آذار/ مارس لمطار سراييفو، وخلال أقل من ساعة ستحط الطائرة في كرواتيا، وهناك كانت تنتظره مفاجأة غير سارة: أمر اعتقال من الشرطة الدولية الإنتربول، بناء على طلب الحكومة التونسية، التي تتهمه بالتورط باغتيال الزواري".
ثلاث فرق
وأوضحت أن "التحقيقات التونسية كشفت أن الخلية التي نفذت الاغتيال مكونة من 12 عنصرا، ضمن ثلاث فرق: الدعم اللوجستي، وجمع المعلومات، وتنفيذ الاغتيال، وتأكد أن بعضهم مواطنين تونسيين، يصنفون في عالم التجسس بـ"العملاء الوهميين"، ليس لديهم فكرة عن المهام التي يقومون بها، ولم يعرفوا أن الشقق والمركبات التي استأجروها مخصصة لتعقب الزواري ورصد تحركاته".
وأشارت إلى أن "آخرين يحملون جوازات سفر أوروبية مختلفة، اثنان منهم من البوسنة، شاركا بإطلاق النار على الزواري، حيث عملت أجهزة الأمن التونسية بصورة احترافية، فيما عقدت حماس مؤتمرا صحفيا للكشف عن بعض حيثيات التحقيق الذي قامت به الحركة بصورة منفصلة".
وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية أنه "قبل شهر من اليوم تم اغتيال فادي البطش أحد مهندسي حماس في ماليزيا، مما أشار إلى سلسلة ملاحقات وتصفيات تستهدف مطوري أسلحة الحركة ومعداتها القتالية، التي تهدف المس بإسرائيل، وسبقها اختطاف المهندس ضرار أبو سيسي من أوكرانيا، وإحضاره لإسرائيل، وبعده محاولة اغتيال محمد حمدان في بيروت، حيث إن الفاصل الزمني بين اغتيال الزواري والبطش 17 شهرا".
وأضافت أنه "طوال هذه المدة تتبع الأمن التونسي الكاميرات المنتشرة بصفاقس ومطار تونس، حتى تقدمت بطلب للإنتربول لاعتقال القتلة الاثنين من البوسنة، دون أن تشتعل الأضواء الحمراء في سراييفو أو تل أبيب، اللتين لم تعلما متى تم تقديم الطلب للإنتربول، مما يطرح تساؤلات حول ما سيتركه اعتقاله على إسرائيل".
قتلة محترفون
معدة التحقيق الإسرائيلية كشفت للمرة الأولى تفاصيل جديدة حول المتهم بقتل الزواري، قائلة إن "تسيمدزيتش 46 عاما من مواليد صربيا، لعائلة مسلمة، انخرط في القتال خلال الحرب الأهلية في البوسنة ضمن جيش المسلمين، بقيادة علي عزت بيغوفيتش، واشتهر بقدراته القتالية المتميزة، وقدرته على مفاجأة عدوه خلف الخطوط، حتى إن مخرجا سينمائيا محليا صوره بأحد أفلامه الوثائقية، الذي حاز عقب نشره على موقع اليوتيوب على أعداد مشاهدين كثيرة حول العالم، لكن الفيلم اختفى من الإنترنيت عقب اعتقاله، كيف.. لا أحد يعلم؟".
وتضيف أن "تسيمدزيتش انضم بعد انتهاء الحرب الأهلية للقوات الخاصة لشرطة البوسنة، ثم انضم لشركة إسرائيلية تبيع معدات للتجسس والتنصت في البوسنة، ثم عمل بشركة أمريكية تعمل بمجال تجنيد وتدريب رجال الجيش المحترفين في جيش البوسنة، من خلال ترتيبات السلام التي شهدتها تلك المنطقة، وبعد أن أثبت جدارة فائقة انضم للعمل ضمن القوات الأمريكية في العراق كمدرب للقوات المحلية هناك بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003".
الكاتبة تنقل عن جواد غليشبيتش الخبير الأمني البوسني، قوله إن "تسيمدزيتش إن ثبت فعليا أنه مجند ضمن جهاز الموساد، فقد حصل ذلك في فترة مبكرة قبل انضمامه للشركة الأمريكية المذكورة، وربما نفذ مهام أمنية واستخبارية ضمن الأجهزة البريطانية والأمريكية".
وأوضحت أنه "بعد مرور شهرين ونصف على اعتقاله في كرواتيا، ما زال موضوع تسليمه قيد الإجراءات السرية وخلف الأبواب المغلقة، بالكاد يخرج تسريب هنا أو هناك، ورغم قبول المحكمة الكرواتية طلب الحكومة التونسية بتسليمه لأنه شارك في اغتيال الزواري، لكن كرواتيا الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، تمتنع عن تسليمه لدولة تنفذ حكم الإعدام، وهي تونس، رغم أنها استبدلت منذ 2015 حكم الإعدام بالسجن المؤبد، وبذلك ليس هناك من مانع لتسليمه، صحيح أن هناك فرصة أمام تسيمدزيتش للاستئناف بما يستغرق وقتا طويلا، لكن تورطه يشكل قمة جبل الجليد فقط في هذه القضية".
اختراقات أمنية
وأردفت الصحيفة قائلة إن "الأخبار السيئة تتوالى، فيوم الثلاثاء الماضي 22 أيار/مايو أعلنت الحكومة البوسنية اعتقال ألفير شاراتس 38 عاما، المتهم بمساعدة تسيمدزيتش باغتيال الزواري، وقد عمل هو أيضا بشركة أمنية أمريكية باسم DynCorp بسبب مهاراته الأمنية والقتالية، وعمله في وحدة مكافحة الإرهاب في الجيش البوسني".
واستدركت أنه "تم إطلاق سراحه لأن البلدين: البوسنة وتونس ليس بينهما اتفاقية لتسليم المجرمين، رغم اعترافه أمام المحكمة المحلية أنه كان في تونس خلال فترة الاغتيال الزواري، لأغراض تجارية، لكن إطلاق سراحه لا يبدو أنه سيهدئ روع مشغليه المجهولين، على العكس من ذلك، فقد يشكل لهم مصدر قلق لمشاكل جديدة، وهناك من يقدر أن الواقع القائم في دول البلقان يشير إلى أن حوادث الاختطاف أو الاغتيال ليس أمرا غريبا أو شاذا، في إشارة إلى حدث ما قد يقع له".
الصحيفة تواصل الحديث قائلة إن "الأخبار الأكثر سوءا ما زالت في الطريق، فقد أعلن المتحدث باسم وزارة العدل التونسية مؤخرا أن بلاده طالبت بتسليم ثلاثة متهمين إضافيين حاملي جوازات سفر أوروبية شاركوا في اغتيال الزواري، اثنان منهم ذوي جوازات سفر سلوفينيا".
الخبير الأمني غلاييتش أضاف أن "الفوضى الأمنية التي تعيشها البوسنة منذ انتهاء الحرب الأهلية أنتجت حالة تداخل صلاحيات بين الأجهزة الفاعلة فيها: المخابرات، الشرطة، الجيش، حيث تشهد جميعها نزاعات ثنائية ، ولا تعتمد بعضها على بعض، ولا رقابة عليها، والنتيجة أنها باتت تقدم خدمات أمنية لجهات خارجية عديدة، بما في ذلك لإسرائيل، لأن الوكالات الأمنية البوسنية قامت على أيدي بريطانية وليست بوسنية، ولذلك نشأت ظاهرة من تجنيد عناصر كوماندو وقتلة محترفين لتأدية مهام خارجية".
الصحيفة قالت إنه "يمكن ربط اعتقال المتهمين بقتل الزواري بحديث مساعد رئيس حكومة ماليزيا الشهر الماضي أحمد زايد حميدي، حين قال إن قتلة المهندس فادي البطش هم أوروبيون مرتبطون بمخابرات أجنبية، وهم من أصول بلقانية، وتبين لاحقا أن قتلة البطش استخدموا جوازات سفر صربيا ومونتينغرو".
وختمت الكاتبة تحقيقها بالقول أن "إسرائيل ترتبط بعلاقات صداقة كبيرة مع صربيا، وتبين ذلك من خلال مشاركة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في زيارته الأخيرة إلى روسيا للمشاركة بإحياء الانتصار على الجيش النازي، وكان لافتا أن الزعيم الأجنبي الوحيد الذي حضر الاحتفال بجانب نتنياهو هو رئيس صربيا ألكسندر فيتشويش، وربما حصل بينهما تبادل بعض الكلمات في بعض الأمور، لأنهما جلسا بجانب بعضهما البعض"!