تعرض الموقف العربي الرسمي والشعبي التقليدي الرافض قطعيا لـ "إسرائيل" لكثير من التغيير في العقد الأخير وخاصة بعد ما يسمى بحقبة الثورات العربية، وبلغت ليونته النقيض مؤخرا.
ويمكن جسّ ذلك في بعض التصريحات العربية وآخرها تغريدة وزير الخارجية البحريني التي أقر فيها بجلاء بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وفي تفاؤل مسؤولين إسرائيليين بعلاقات واعدة مع أطراف عربية.
طالما ان ايران اخلّت بالوضع القائم في المنطقة و استباحت الدول بقواتها و صواريخها ، فإنه يحق لأي دولة في المنطقة و منها اسرائيل ان تدافع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر .
الموقف العربي المعادي لإسرائيل تشكل تاريخيا منذ البدايات الأولى للمشكلة الفلسطينية، وأصبح بمرور الزمن حادا وقطعيا لم يجرؤ أي مسؤول عربي على تجاوزه إلى عام 1977 حين خرق الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات "المحرمات" وزار إسرائيل.
تلك الزيارة، وتوقيع معاهدة السلام، واستعادة سيناء لم تنه العداء العربي الإسرائيلي، ولم تنجح في تحقيق اختراق كامل في الموقف العام من إسرائيل، لا هي، ولا اتفاقيات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ بقي هذا "التطبيع" سطحيا.
الضربة العنيفة التي وجهتها إسرائيل للمواقع العسكرية الإيرانية في سوريا بالتزامن مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، كان بمثابة المؤشر لمدى "الليونة" التي طرأت على مواقف بعض الأطراف العربية من إسرائيل.
ولعل هذه الليونة تظهر بجلاء في تصريح الضابط السعودي المتقاعد أنور عشقي الذي وصف إسرائيل بأنها عدو "مظنون" فيما إيران عدو مضمون، والتي تعد أهم مكسب حصلت عليه تل أبيب من عملياتها العسكرية الأخيرة في سوريا.
ويبدو أن أصحاب هذا الموقف يسترشدون بالمثل القائل "عدو عدوي صديقي"، ولذلك بلغت الليونة من إسرائيل لدى البعض حدّ التحالف الضمني متجاوزة التعاطف وإرث الكراهية القديم بفعل "وطأة" كراهية "الفرس" الذين وجدوا مواطئ قدم في سوريا ولبنان والعراق والبحرين.
هذا الموقف عبّر عنه بدقة الصحفي السعودي المعروف عبد الرحمن الراشد بقوله مؤخرا في صحيفة الشرق الأوسط التي كان يرأس تحريرها
"نحن أمام مرحلة مختلفة، وحرب جديدة من نوعها. لأول مرة إسرائيل وإيران تتقاتلان، ففي الماضي كانت الحرب بينهما بالوكالة. الآن الاقتتال مباشر وفوق أرض سوريا، وللمرة الأولى نرى الحرس الثوري، الذي طغى وتجبر في المنطقة، في العراق واليمن وسوريا، يدفع الثمن غالياً، ويعرف أنه تجاوز حدوده".
واستطرد الراشد في هذا السياق قائلا: "الحرس الثوري حاول التنصل، كعادته في لبنان، مدعياً في بيان رسمي بأنه ليس مسؤولاً عن إطلاق الصواريخ العشرة على إسرائيل، ووضع اللوم على قوات الأسد، لكن الإسرائيليين لن يذهبوا إلى المحكمة، ولن ينتظروا لجان التفتيش الدولية. من دون الحاجة إلى دليل يعرفون أن قوات قاسم سليماني الإيرانية هي الفاعل، ولن يحميها الاختباء خلف قوات النظام السوري التي صارت صورة ولا تملك من أمرها شيئا".
وسائل إعلام سعودية لم تخف "شماتتها" في أعقاب الضربة الإسرائيلية الكبيرة ضد الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وكتبت عن العملية تحت عنوان "سـوريـة: ضربة إسرائيليـة تستـأصـل قـواعـد إيـران".
واللافت أن بعض رجال الدين في المنطقة ذهبوا أبعد من ذلك، وبلغت الليونة في موقفهم من إسرائيل حتى الدعاء لها بالنصر، نكاية بإيران.
هذه الليونة لا تتوقف عند بعض دول الخليج بل امتدت وعلى أكثر من صعيد إلى أبعد من ذلك، ونرصد في هذا الصدد ظهور اتجاه في ليبيا، على سبيل المثال منذ سقوط نظام القذافي، يدعو إلى عودة اليهود الليبيين وتعويضهم والاستعانة بهم في بناء البلد، فيما كان مثل هذا الطرح سابقا محظورا ولا يجرؤ أحد على البوح به تصريحا أو تلميحا.
ولذلك يمكن القول إن الأبواب لم تعد مغلولة بالأقفال أمام إسرائيل، على الأقل لم تعد كما كانت عليه في العقود الماضية وتلين باستمرار.
المصدر:وكالات