في معركة الأمس بين إسرائيل وإيران يجري التركيز على قيام الأولى بأكبر عملية عسكرية لها في سورية (شاركت فيها 28 طائرة حربية حسب كلام الروس) منذ توقيعها إعلان وقف إطلاق النار العام 1974.
يصاحب ذلك دعاية إسرائيلية مكثفة عن تدميرها لعشرات المواقع العسكرية الايرانية في سورية وعن إعادتها للتموضع الإيراني فيها عشرات السنوات إلى الوراء.
كل ذلك قد يكون حقيقة لأن قدرات إسرائيل الجوية معروفة، فهي متفوقة في هذا المجال على جميع دول الشرق الأوسط وربما حتى على غالبية الدول الأوروبية لأنها تحصل من أميركا على أحدث ما تنتجه الأخيرة.
وكل ذلك قد يكون أكاذيب، لأن التموضع الإيراني في سورية هو حديث العهد ويعود إلى العام 2013 عندما قررت إيران إلقاء ثقلها العسكري في سورية بعد اتساع حجم التدخل الخارجي فيه لإسقاط النظام.
بمعنى آخر، لم يكن هنالك بناء منظم للوجود الإيراني في سورية بهدف استهداف إسرائيل قبل العام 2013 حتى يتم الادعاء بأن هذا «الاستثمار» الإيراني في سورية منذ «عشرات» السنوات قد تم تدميره.
البناء الإيراني في سورية الذي يستهدف إسرائيل يكمن في تسليحها وتدريبها للآلاف من المقاتلين السوريين والعراقيين والإفغان والإذربيجان وغيرهم ممن تم إحضارهم من خارج سورية للدفاع عن النظام ولاحقا لاستهداف إسرائيل بعد أن تبين أن الأخيرة تحاول استغلال الجماعات الإرهابية الموجودة على حدود الجولان لتوسيع نفوذها وخلق وقائع جديدة على الأرض ربما تصل حد الاستحواذ على أراضٍ سورية جديدة.
أضف إلى ذلك قيام إسرائيل بمهاجمة الجيش السوري أكثر من مائة مرة منذ بداية الأزمة السورية. إذا لم يكن ذلك تدخلاً لصالح الجماعات المسلحة السورية فماذا عساه يكون؟ حتى أميركا وتركيا الأكثر تعاطفاً مع الجماعات المسلحة لم تستهدف الجيش السوري مثلما فعلت إسرائيل.
أكثر من ذلك، نحن لا نعرف حقيقة إن كان الروس قد سربوا للإيرانيين معلومات قبل حدوث الهجمات الإسرائيلية.
إسرائيل قالت إنها أبلغت الروس قبل عملياتها العسكرية حتى لا يحدث صدام بين البلدين، لكن ربما أيضا كان الهدف من ذلك إبلاغ إيران بطريقة غير مباشرة بهذه العمليات حتى لا ينتج عنها خسائر هائلة في الأرواح تدفع الإيرانيين للتصعيد السريع وغير المحسوب.
خلال كل ذلك ترسل إسرائيل رسائل لإيران فحواها: لا نريد تصعيداً أكبر في سورية وأن عليكم أن تبتلعوا الإهانات التي نوجهها لكم منذ مطلع العام الحالي.
عقيدة الردع الإسرائيلية تقوم على أن صاحب الضربة الأخيرة هو من يمتلك قوة الردع، لذلك هم يضربون ويطالبون الآخرين بعدم الرد لأن قيامهم بذلك يكسر قوة ردعهم ويجبرهم على خوض معارك تؤدي في النهاية إلى تآكل هيبتهم وإلى استنزافهم كما حدث في لبنان.
هنا تحديداً تكمن أهمية ما قامت به إيران من قصف لمواقع إسرائيلية في الجولان.
هي أولا، تقول لإسرائيل إنها ستدفع ثمن اعتداءاتها عليها في سورية وإن الضربات الإسرائيلية المتكررة لمواقعها لن تثنيها عن الرد أياً كانت النتائج المترتبة عليه.
وهي ثانياً، تقول لإسرائيل إنها لن تمكنها من أن تكون صاحبة الكلمة العليا في الفضاء السوري.
وهي ثالثاً، تقول إن علاقاتها مع روسيا لن تردعها عن مهاجمة إسرائيل والرد على اعتداءاتها.
لاحظوا أن مهاجمة إيران للمواقع العسكرية الإسرائيلية في الجولان جاءت خلال زيارة نتنياهو لروسيا في دلالة واضحة على أن إيران لا تأخذ إذناً من الروس عندما تتعلق المسألة بأمنها.
وهي رابعاً، تؤكد من خلال الضربة العسكرية التي قامت بها في الجولان، أن التصعيد الأميركي الإسرائيلي ضدها سيواجه بتصعيد.
في الصراع مع إسرائيل، تعلم إيران، أنه لا يمكن الوصول إلى حالة من توازن الردع قبل أن تدفع إسرائيل ثمناً باهظاً يجعلها أكثر حذراً في سلوكها العدواني.
هذه النتيجة قد لا يتم الوصول لها دون حرب على الأرض السورية تكون نتيجتها على الأقل مشابهه لتلك التي حدثت مع حزب الله العام 2006.
صحيح أن إيران وحلفاءها قد حاولوا جهدهم لعدم الانجرار لحرب مع إسرائيل وحصر مواجهتهم مع التنظيمات المسلحة في سورية، لكن ذلك كان يتم على قاعدة أن الاعتداءات الإسرائيلية لا تستهدفهم مباشرة ولكنها تستهدف الجيش السوري.
لكن بعد قيام إسرائيل باستهداف إيران مباشرة في شباط الماضي، فإن النظام الإيراني يشعر بأن عليه أن يرد وأن يرسم خطوطاً حمراً لإسرائيل، وإذا لم يقم بذلك فإنه سيخسر هيبته محليا وإقليميا ودوليا.