انعقاد الدورة 23 للمجلس الوطني في بث مباشر لجلستيه الافتتاحية والختامية وبخاصة انتخاب مؤسستيه الأهم « المجلس المركزي، واللجنة التنفيذية «،وسماع الجميع او من يرغب الخطابات السياسية المنطلقه من منبره، والتغطية الاعلامية الرسمية المترافقة مع عقد المجلس وما قبله وبعده، كل هذا مضافا اليه مواقف المعارضة، عَرَّفَ الجميع بواقع المؤسسة ومستوى الاداء وآلية اتخاذ القرار. واذا اراد المرء الاختصار يمكن القول ان الاجتماع عرَّفَ مستوى التطور الذي وصلنا اليه على صعيدي المؤسسة التمثيلية والديمقراطية.
ماذا تقول نتائج الدورة 23، هل نحن بخير ؟ المسألة نسبية، وبخاصة اذا ما احتكمنا لقياس موضوعي، ولسقف التوقعات الضئيل، ولحالة اليأس والاحباط الناجمة عن اخفاقات كبيرة في اكثر من حقل ومجال. اما اذا نظرنا للواقع الذي عكسه المجلس منسوبا لما هو مطلوب، فإن الفجوة كبيرة وكبيرة جدا. ما بين الحاجة الى تفعيل وتطوير الحالة الفلسطينية، ومستوى المواقف الصادرة عن المجلس والقدرة على الاخذ بها وتطبيقها، بون شاسع. وهذا يبين كم هي كبيرة الحاجة لعمل جدي دؤوب ومتواصل من أجل التطوير الذي تستدعيه الحاجة الملحة للدفاع عن الحقوق الطبيعية والوطنية والانسانية لعموم الشعب داخل وخارج الوطن.
القضية الاولى التي حسمتها الدورة 23 هي الشرعية، فالانعقاد أبطل مفاعيل الموقف المعارض حيث كان من الخطأ ربط اجتماع المجلس الوطني وشرعية المؤسسة التمثيلية بشرط حضور حركة حماس وهي الغائبة طول الوقت عن المؤسسات الشرعية. إن وضع شرط الاتفاق على مجلس توحيدي قبل استيفاء حماس لشروط العضوية في المؤسسة الرسمية بحسب النظام الداخلي. وهنا لا احد يعرف متى ستوافق حركة حماس وما هي شروطها الفعلية، مع ان عضوية المجلس ومؤسسات المنظمة مفتوحة للحركة اذا ما التزمت بالنظام الداخلي و»بنظام الكوتا» سيء الذكر الذي مازال معتمدا للاسف. كان بإمكان حركة حماس دخول المجلس بعضوية تفوق المائة عضو اذا ما احتسب لها 74 عضوا في المجلس التشريعي اصبحوا اعضاء في المجلس الوطني تلقائيا، اضافة الى عضويتها في المنظمات والاتحادات الشعبية. وهذا يشكل حوالي 15% من اجمالي عضوية المجلس. وتستطيع كتلة حماس الائتلاف مع اعضاء في تنظيمات اخرى ومستقلين وتشكيل معارضة قوية تترك البصمات على المواقف، ومن موقعها داخل المجلس الوطني ومؤسسات المنظمة تستطيع حماس طرح مهمة إعادة بناء مجلس وطني ومؤسسات المنظمة على الاجندة الداخلية. ما اود قوله ان التغيير يحدث من داخل الشرعية وليس من خارجها، حتى الاعتماد على الانتخابات فسيتم من خلال الشرعية وليس من خارجها وفي مواجهتها. مشكلة حماس انها وضعت نفسها خارج الشرعية وعملت في خط موازي لها سابقا، وحاولت راهنا العمل على صناعة بدائل، تارة في صيغة مجلس وطني موازي، وتارة بصيغة مؤتمر شعبي. وثمة تقديرات تقول بأن حماس تقبل بدخول المنظمة من موقع السيطرة والاستحواذ على القرار فقط، وانها ما تزال بعيدة عن ثقافة الشراكة مع آخرين.
اتخذ المجلس الوطني في دورته 23 مجموعة من المواقف السياسية التي لا يمكن رفضها من قبل قوى المعارضة، كالموقف من صفقة ترامب والدور الاميركي في العملية السياسية، وتعليق الاعتراف باسرائيل، ووقف التنسيق الامني وإعادة التأكيد على وثيقة إعلان الاستقلال والثوابت الوطنية المتعارف عليها، فضلا عن إلغاء الاجراءات المتخذه ضد قطاع غزة والشروع بصرف الرواتب. ما يهم هنا الانسجام والتلاؤم بين قرارات ومواقف المجلس وتطبيقاتها الفعلية. دائما التطبيق والتفسيرات تخضع لميزان القوى، فالطرف الأقوى قد لا يطبق بعض القرارات وقد يتراجع عن المواقف المشتركة والمتفق عليها ويتبنى مواقف أخرى. التغيير او الالتباس في البيان الصادر عن المجلس الوطني الخاص بصرف رواتب قطاع غزة ووقف الاجراءات الاخرى، وعدم تضمين البيان « التوجه للجنائية الدولية لادانة قادة الاحتلال». التباين في التفسير وفي كتابة النص بالنسبة للجنة صياغة البيان الختامي يؤكد على المشكلة، وعلى اهمية المتابعة وحل التناقض بين الموقف وتطبيقه على أرض الواقع. ما كان ينبغي للمؤسسة التمثيلية اتخاذ مواقف وعدم تقديم تفسيرحول تعذر التطبيق للمواطنين والشركاء، وبدون شرح المحاولات والمساعي والعقبات التي حالت دون ذلك، وذلك حفاظا على مصداقة المؤسسة وثقة الناس بها وبقراراتها.
من المفترض ان يخضع التعامل مع البيان الختامي للتوضيح وللمساءلة، كما من المفترض ان تتابع قضية قطاع غزة للحل كما جاء في نص البيان. فضلا عن وضع آلية لتطبيق السياسات الاخرى وبخاصة في كل ما يتعلق بسياسة الضم والهيمنة والفصل العنصري والحصار والاستيطان واستباحة الارض والموارد التي تتبعها دولة الاحتلال الاسرائيلي. موضوعات وعناوين كبيرة تحتاج الى إشراك الكفاءات الفلسطينية في كل مكان لمتابعتها، وتحتاج الى تصويب دور وعمل المؤسسة والمستوى السياسي لجهة الاقتراب من مشاكل واحتياجات وهموم ومبادرات ونبض الناس وعدم الابتعاد او الانفصال عنها، كي لا تتفاقم الازمات ويضعف الكل الفلسطيني ويتفكك. ان إشغال دوائر مركزية ومهمة من حيث المسمى بدون عمل وبدون لجوء الناس اليها لحل مشاكلهم، هو الذي يفسر انقطاع اجتماعات المجلس الوطني ودوائره بما في ذلك دوائر اللجنة التنفيذية ومكاتبها التي لا يعرفها السواد الاعظم من الناس ولا يلجأون اليها في السراء والضراء. وهو الذي يفسر تجاوز النسبة الاكبر من عضوية المجلس الوطني لسن الشيخوخة بدون ان يشكل ذلك حرجا للاعضاء وللهيئات، وبدون التوقف عند حق الناس بسحب التفويض واستبداله بممثلين يتمتعون بالكفاءة والرشاقة البدنية والعقلية ويخضعون للمساءلة والمحاسبة والنقد . ما عاد الولاء السياسي والانتماء التنظيمي كافييين للحصول على عضوية المجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية، وما عاد نظام الكوتا المتقادم جدا صالحا لتبرير وجود الهيئات وعضوياتها ولتمرير السياسات. وفي جهة المعارضة لا يستقيم الاستمرار في رفض الشرعية والمشاركة في ايقوناتها ما لم يتم ضمان السيطرة عليها كشرط مسبق وبدون التلاؤم مع الاستحقاق من الزاوية الديمقراطية التي سقطت فيها شر سقوط. فهل تًغلب حماس المصلحة الوطنية العليا على المصالح والمكاسب الفئوية؟ وهل تستبدل تنظيمات أخرى موقفها المتساهل بحصة الكوتة؟ تحديات واسئلة لا يجاب عليها الا عبر نضال ديمقراطي حقيقي.
Mohanned_t@yahoo.com