نظرات على جلسة الوطني الأخيرة..يوســف أحمــــد

الإثنين 07 مايو 2018 02:37 م / بتوقيت القدس +2GMT



بدأت الآن المفاوضات حول صفقة القرن. لا يغرنكم الرفض المعلن. فالغرض الأهم من عقد جلسة الوطني في رام الله هو حصول الرئيس عباس على تفويض بإطلاق المفاوضات حولها وهو ما ناله بالتصفيق. وصفقة ترامب هذه – رغم غموض تفاصيلها – لن تكون إلا امتداداً لنهج أوسلو وتخفيض مطرد لسقف طموحات الشعب الفلسطيني الوطنية وأهم بنودها التنازل عن القدس وشطب حق العودة وتخليد سلطة الحكم الذاتي على مساحة من الأرض تضيق يومياً في الضفة الغربية.

"يا بتشيلو يا بنشيل", هل يُعقل أن يصدر مثل هذا الكلام عن الرئيس الفلسطيني نفسه حول مصير مليونين من شعبه؟ وأمام أكثر من سبعمائة شخص من المفترض أنهم يمثلون هذا الشعب؟! الأشد وقعاً على النفس أن هؤلاء قد صفقوا تكراراً ومراراً ومطولاً، ولا غرابة رغم أنها أم الغرائب. فمرحلة التيئيس بلغت بعداً جديداً وهي التي أخذت طوراً جديداً منذ قرار حصار عرفات ووفاته استشهاده. بدأ اليأس يتسلل إلى قلوبنا وأتحدث هنا عن العقل الجمعي لنا. رأينا أبو عمار يتحدث للإعلام على ضوء شمعة وقد أدرك مصيره. نجحت أوسلو في إعطاءنا الدرس، فمن يتحدى الشروط الأمريسرائيلية، ينتظره نفس المصير. وبعد أربعة عشر عاماً على رحيل أعظم زعيم فلسطيني في عصر ما بعد النكبة لم يعد أحد مهتماً في كشف ملابسات وفاته أو قتله.

تمكن اليأس والاستسلام من قلوب ثلة من الفلسطينيين، أولئك من صفقوا في المجلس وسيطر الإحباط على عقولهم فترجموا استلاب عقولهم بالتصفيق والتهليل بعد أن تماهت تماماً مع متطلبات منظومة أوسلو فعملت على توسيع دائرة اليأس، بل أضافت تزييف الوعي ووسائل التخدير لإيصاله لأكبر عدد ممكن من الشعب.

الفلسطيني يُلاحَق ويُقتَل في كل مكان، في مخيم اليرموك وتونس وبلغاريا وماليزيا وغزة وعلى بعد أمتار من مكان انعقاد المجلس ولم يستحق ذلك بنداً على جدول أعمال ما يُفتَرض أنه البرلمان الفلسطيني. ونوقشت "العقوبات" على غزة من باب الاستجداء والتوسل من قلة من أعضاء مجلس اختارتهم سلطة الحكم الذاتي نفسها. وأي سلطة هذه وأي قيادة تفرض عقوبات على ملايين من شعبها وتُسقط ملايين منهم في الشتات؟! أولئك الذين رفعوا اسم فلسطين عالياً وحافظوا على حلم العودة على مدار سبعة عقود.

منذ أن قبلت سلطة الحكم الذاتي ما يسمى المبادرة العربية وخاصة ذلك البند الذي بشير إلى "إيجاد حل عادل لمسألة اللاجئين، بُدئ فعلياً العمل على تنفيذ هذا "الحل العادل" كما يراه النظامان الدولي والعربي الجديدان. فتدمير وتهجير لتجمعات الفلسطينيين الرئيسية في العراق وسوريا ولبنان وقطع تمويل وكالة الغوث، ودفع أهل قطاع غزة إلى الهجرة هرباً من الحصار والعقوبات، كل ذلك سيفضي إلى التخلص من اللاجئين والتنازل نهائياً عن حق العودة. وما مقترح وزير خارجية لبنان جبران باسيل باعتبار الفلسطيني الحاصل على جنسية أخرى غير لاجئ إلا خطوة أخرى متقدمة، تصب في نفس الاتجاه.

التنازل عن القدس ليست في معزل أيضاً عن مسلسل التنازل والتفريط. والعذر هنا لاستخدام لغة قديمة سقطت من القاموس السياسي الفلسطيني منذ زمن واستبدلت بمصطلح يتلاءم مع مرحلة أوسلو وهو التفاوض. يُصرُّ الرئيس عباس على دعوة العرب والمسلمين لزيارة القدس (عاصمة إسرائيل حسب ترامب وبعض الدول العربية) بينما يتجاهل حق الفلسطيني من الوصول لها والصلاة في أقصاها أو قيامتها. وتزامنت جلسة وطني رام الله أو آخر جلسة للوطني مع الذكرى السبعين للنكبة وكذلك مع مشاركة فرق عربية في سباق الدراجات الدولي الذي انطلق من القدس.

القابضون على حلم العودة في غزة تحولوا وبجرة قلم إلى ميليشيات واستحق القطاع العقوبات الجماعية والحصار. لم ينج إلا من ازداد منهم إيماناً بأوسلو فنال المناصب وتلقى مرتبه وحصل على التصريح من مردخاي للذهاب إلى رام الله وإن لم يعجبه فندق الزهراء الذي حط فيه. فالفنادق الفخمة مخصصة لأولئك الذين آمنوا وعملوا على تثبيت النظامين الجديدين، الدولي والعربي. نظامان ألغيا منظمة التحرير واستبدلاها بسلطة الحكم الذاتي الخالدة. أولئك الذين شرعوا في التفاوض على صفقة ترامب وشروطها. مفاوضات ستدوم ربع قرن أخر لن تبق من الحقوق الفلسطينية شيئاً يذكر إلا إذا تحرك الشعب الفلسطيني وقواه الحية لكي يلفظوا أوسلو وأدواته من بين صفوفهم.