قبل أن نتناول قرارات المجلس الوطني الفلسطيني بالإشارة، فأنه لا بد من تهنئة الرئيس محمود عباس ابو مازن على حزمه وحسمه وقدرته على التصرف في اللحظة المناسبة، التي لا يصبح للفعل أي معنى كأن حسم الرئيس التاريخي من الدقة والحساسية بحيث التقط أن عقد المجلس الوطني الفلسطيني هي الخطوة الهامة من أجل خَضّ النظام السياسي الفلسطيني من جديد، ودفع دماء جديدة الى عروقه، و تغير قواعد سلوكه القادم، نهنئ الرئيس على فعله و أنجازه، وعلى رؤيته وشجاعته و تحمله.
قرارات المجلس الوطني الفلسطيني يمكن قراءتها كما يلي:
اولاً: أنها مراجعة فكرية وسياسية وتاريخية , اعادت الأمور الى مربعاتها الأولى، بدون تجميل او رتوش، القرارات قامت فعلياً بتعريف الصراع من جديد، وبتصحيح التاريخ وتصويب الاتفاقات السابقة، وحتى وصل الامر بهذه القرارات الى خلخلة المسلمات السابقة.
ثانياً: أنها تضع الية عمل مستقبلية لتجاوز الاخطاء في المرجعية او في الاداء، وتفتح الباب لقراءات فاعلة وناجعة لا تقف عند ما تم الوقوف عنده ولم يتم تجاوزه مدة 25 عاماً.
ثالثاً: فتحت الباب واسعاً لكل احتمالات المواجهة او التصعيد وكذلك التسوية ايضاً، وربطت ذلك بسلوك اسرائيل، وليس بسلوك الفلسطينيين كما هو الحال في اتفاقات اوسلو.
رابعاً: هذه القرارات تنزع الشرعية عن دور الإدارة الامريكية كراعية للتسوية، وبالتالي تجردها من قدرتها او ادعاءها بأن هذه الإدارة تساهم في السلم الاقليمي او العالمي عملياً، هذه القرارات لا تتحدى الادارة الامريكية وإنما تحجم دورها في السياسة العالمية، و الغريب في الامر أن هذا لا يتم من قبل دولة عظمى وإنما من شعب فقير ومحاصر .
خامساً: قرارات المجلس الوطني الفلسطيني تؤسس لمرحلة جديدة من ملامحها : التحرر من الضغوط الامريكية، استعادة القرار الوطني المستقل، اعادة المبادرة والكفاءة والاستعداد لدى القوى الفاعلة الفلسطينية.
سادساً: هذه القرارات ستضعف من منطق وموقف بعض الأنظمة العربية التي قد تتساوق مع الموقف الامريكي، ثم أن هذه القرارات ستشكل احدى الكوابح القوية لفرملة التطبيع المجاني و العلاقات السرية او محاولة تجاوز الفلسطيني لدمج اسرائيل في المنطقة دون التوصل الى تسوية مرضية مع الفلسطينيين.
سابعاً: هذه القرارات تجعل من التقدم او طرح صفقة القرن صعبة أن لم تكن بلا جدوى، اذ أن طرح الخطة الامريكية سيكون بمثابة عهد جديد من الصدام مع الادارة الامريكية، وبذلك تتورط الولايات المتحدة في الصراع بدلاً من الادعاء برعاية عملية التسوية.
ثامناً: هذه القرارات فيها إجمالُ يجب أن يقرأه الجميع، مفاد هذا الاجمال أن التسوية مع اسرائيل فشلت رغم كل ما قدمه الفلسطينيون من حسن نوايا، الاجمال الكبير هو أن التسوية مع اسرائيل لم تؤد الى سلام ولا استقرار ولا تنمية، بل الى استيطان وحروب وعداوة، وأن السلام مع اسرائيل حتى الأن- لم يؤد الى تحسين الاوضاع في مصر او الأردن او فلسطين، بل على العكس من ذلك، وكأن السلام ينفع احد الأطراف وليس كلهم، قرارات المجلس الوطني قالت بوضوح وبعد 25 سنة من اوسلو أن اسرائيل دمرت عملية التسوية بالكامل أنه لا بد من البدء من جديد.
تاسعاً: قرارات المجلس الوطني حاولت أن تعيد هيكلة م.ت.ف. بما يتسم بالمرونة وسهولة الحركة، حاولت هذه القرارات ترتيب البيت ما امكن، وحاولت أن ترمم ما استطاعت.
عاشراً: قرارات المجلس ورغم ما يمكن أن يقال فيها او عنها، ولكنها استطاعت أن تحمي المؤسسة وأن تتواصل رغم الضيق، وأن تنفض عنها ما علق بها من ترهل او تقادم.
واخيراً وليس اخراً، هذه القرارات جيدة على المستوى النظري، وننتظر جميعاً من اللجنة التنفيذية الجديدة التي نرجو لها النجاح في تطبيق هذه القرارات حسب ظروفها وإمكانياتها ومعطيات واقعها. اللجنة التنفيذية الجديدة نرجو لها أن تقرأ هذه القرارات وأن تدفع بها الى حيز الواقع بما يكفل تجاوز الماضي بكل ما فيه.
وفي هذه الحالة، فأن استعجال البعض لرفض هذه القرارات فيه كثير من الخطأ الذي لا مبرر له، فهذه القرارات يمكن البناء عليها والمشاركة فيها واستخدامها كحجر اساس للعمل الوطني المشترك الفعال وارى أن رفض هذه القرارات بهذه الطريقة وبهذه العصبية، فأنها تدل على الرغبة في المناكفة والرفض اكثر منها مناقشة لهذه القرارات.
هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية فأنني أرى وجود معارضة ايجابية، نشطة وفعالة، هي ضمانة لتنفيذ هذه القرارات، وأن وجود مثل هذه المعارضة ستشكل دافعاً ودافعية للعمل الجاد والدؤوب لتطبيق هذه القرارات بشكل متناسب ولا يشكل مثار جدل او نقاش . وهذا يعود بنا الي اولئك الذين رفضوا القرارات بشكل مستعجل.
أن النقطتين السابقتين يفترض أن العمل الحثيث والمتواصل من أجل مصالحة وطنية اذ لا يمكن تطبيق برنامج وطني طموح دون الكل الفلسطيني. المصالحة كأنت محور من محاور هذه القرارات، وهي حجزت مقاعد للرافضين و المحتجين، هذا يعني أن المجلس الوطني الفلسطيني، بجميع قيادته واعضاءه يعرفون أهمية الاقلاع بجهود الجميع، وأنه لا استثناء ولا أستفراد ولا أقصاء . برأي المتواضع، أن هذه الملاحظات الثلاثة هي ملاحظات هامة من اجل تطبيق هذه القرارات كما يجب. هذه القرارات ليست للقيادة, ولا لأعضاء المجلس ولا للنخب ولا للفصائل, أنها لجميع افراد هذا الشعب العظيم. تطبيق هذه القرارات يحتاج الى ارادة كبيرة بل ارادة كبيرة جداً.