حيرة قلم ..د. بلال خليل ياسين

الأحد 22 أبريل 2018 10:36 ص / بتوقيت القدس +2GMT
حيرة قلم ..د. بلال خليل ياسين



  عندما اقتربت من المكان، كان الموقف هائلاً، فوضى عددية، وجموعٌ نوعية، وآلاتٌ قمعية، لا يمكن لكلماتي المتكلّفة أن تصف ما رأت عيني، أو شعرت به نفسي، أو ما حار العقل في تنظيم حركاته، أو ترتيب فقراته.

        من أين سأبدأ؟ كيف سألملم صورتي المبعثرة؟ كيف سأرسم كلماتي المجنونة! هل أبدأ من ذاك الجندي المدجج بالأسحلة المختلفة، يحتمي بسترة صدرية، وخوذة فولاذية، من أمامه كثبان رملية، ومن خلفه مدرعات عسكرية، ومن فوقه طائرات حربية، ليواجه مع أقرانه جموعا بشرية، وقفوا على مشارف بلادهم، ليرسموا صورة أحلامهم المستقبلية، ويتنفسوا هواء الكرامة وشيئا من الطفولة المنسية.

        أم أبدأ من تلك الجموع الغفيرة، والعائلات الجميلة، والوجوه البريئة التي جاءت من أمكان كثيرة، تقف أمام عدوها، لا تحتمي إلا بربها، تطالب بالرجوع إلى ديارها، ولا تملك سوى صبرها، وتهتف بأعلى صوتها عائدون إلى بلادنا الأبية، وترسم أحلاما فنية واجتماعية ورياضية، وتبدع فنونا وطنية (مسيرة العودة الكبرى).

        أم أُقلب قلمي فوق رصاصة الغدر والخيانة، التي انطلقت لتخترق جسد الطفل محمد أيوب (14 عاما) لترديه قتيلا بين أحلامه التي كان يرنوا إليها، ودمائه التي تناثرت فوق أرضه الزكية.

        حار قلمي، لا يعرف البداية التي تنسج خيوط الصورة وعنوان مشهدها، أمسك بأناملي حانيا على أفكاري العاصفة، ومشاعري المبعثرة، وغادرني معتذرا دون ضجيج، فأبصرتُ حينها يد الجلاد التي ترتجف خلف البندقية، ونبضات قلبه التي تتسارع خلف سترته الصدرية، ورأيتُ النصر لأصحاب الهوية.