في المسألة السورية، الأيديولوجيا تهمين على الإعلام وتجعله بلا قيمة لفهم ما يجري في ذلك البلد المنكوب بالإرهاب والاستبداد على حدٍ سواء.
كيف لمسألة من نوع لماذا يستهدف الجيش السوري النساء والاطفال بالسلاح الكيماوي في الغوطة ولا يستهدف مقاتلي جيش الإسلام بنفس السلاح أن لا يثيرها الإعلام؟
كيف لمسألة لماذا يلجأ النظام السوري للسلاح الكيماوي بعد أن كان قد تمكن من السيطرة على 90٪ من مساحة الغوطة أن لا يثيرها الإعلام؟
وكيف يمكن للإعلام أن يؤكد أصلاً أن السلاح الكيماوي قد تم استخدامه عندما يقول أمين عام الأمم المتحدة نفسه أن المؤسسة الدولية بما لها من حضور على الأرض في سورية لا تستطيع أن تؤكد أو تنفي حقيقة استخدام سلاح كيماوي؟
الجواب بكل وضوح لأن هذا الاعلام لا يبحث عن الحقيقة ولكن يريد استغلال "المذبحة" التي ارتكبتها "جهة" لا نعلمها حتى الآن بسبب غياب التحقيقات المستقلة، بأن تكون مقدمة لمذبحة أخرى، لكن هذه المرة في حق الجيش السوري وحلفائه.
الرئيس الأميركي، ترامب، شخص مأزوم ومتهم بالتواطؤ مع روسيا من أجل الفوز في الانتخابات. وهو فوق ذلك، رجل جشع مالياً، وضحل ثقافياً وتسكنه عقد نقص كثيرة تظهر في تصريحاته الدائمة على "تويتر".
أزمة ترامب سببها المحقق الأميركي الخاص، روبرت مولر الذي يقوم بتجميع ملف ضده يكبر كل يوم.
قبل ايام قليلة مثلاً، قام مكتب التحقيقات الفيدرالية بمداهمة مقر محامي ترامب، مايكل كوهين، بشكل مفاجئ خشية قيامه بتدمير ملفات لها علاقة بالتحقيقات التي لم تعد فقط متركزة على علاقة حملة ترامب الانتخابية بالروس، ولكنها تشعبت لتشمل سلوكه أثناء الحملة الانتخابية، أمواله، ومحاولته رشوة نساء تعرض لهن جنسياً في السابق حتى لا يقمن بكشف المستور في سلوكه الشائن.
هذا الشخص المأزوم وغير المستقر، سيفعل كل شيء من أجل صرف الأنظار عن فضائحه ومن أجل الفوز برضى اللوبيات الأميركية التي يمكنها أن تعينه في مأزقه الحالي.
لذلك لم يكن غريباً أن يقوم ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بهدف الحصول على دعم اللوبي اليهودي في أميركا.
وليس غريباً أيضاً أن يقترح ترامب تسليح المدرسين في المدارس الأميركية بعد حادثة فلوريدا في شهر شباط الماضي بدلاً من تقديم مقترحات تجعل من الحصول على السلاح مسألة صعبة، لأنه ببساطه لم يكن يفكر إلا في الحصول على رضى لوبي السلاح الأميركي.
حادثة الغوطة، سواء كانت بفعل النظام، المعارضة المسلحة التي حاولت دائماً توريط أميركا والغرب في صراعها مع النظام، أم بفعل طرف ثالث، يمكن النظر لها ضمن الفرص التي يعمل ترامب على استغلالها لصرف انظار الأميركيين عن فضائحه.
لهذا نشاهد استغلالاً غير مسبوق لها على الرغم من أن الجهة التي قامت بها ما زالت مجهولة.
لعل المسألة التي تستدعي الاهتمام أن أحداً لا يعلم ما هو الهدف الحقيقي للحشود الاطلسية الكبيرة التي يجري تجميعها بالقرب من سورية.
هل مهمتها قصف الجيش السوري ومطاراته بالعشرات من الصواريخ؟
هل هي تحسب لأي رد روسي على الضربة التي يجري الاعداد لها ضد سورية؟
أم أن هدفها أبعد من ذلك ويهدف الى تدمير كامل للجيش السوري ولحلفائه الايرانيين؟
الرئيس ترامب معني بإذلال الروس في سورية، بهدف دفع التهمه التي تطارده منذ توليه الرئاسة بأن شخصاً بمواصفاته ما كان ليصل الى البيت الأبيض دون مساعدة الروس له في الانتخابات.
لكن أياً كانت دوافع هذه الحشود، فإن السماح لها بتحقيق نصر، ستكون له نتائج وخيمة على روسيا وإيران وتركيا تحديداً.
إن لم تتصد روسيا للعدوان على سورية، فإنها ستخسر مصداقيتها لدى العديد من دول العالم ولن يأخذها أحد بعد ذلك على محمل الجد. بالإضافة لذلك، فإن روسيا ستخسر إنجازاتها في سورية خصوصاً اذا كان الهدف هو تدمير الجيش السوري.
ولعلمها، هي بدأت بخسارة سمعتها منذ أن سمحت للطائرات الإسرائيلية أن تقصف سورية دون أن ترد عليها أو حتى دون أن تُمَكِن حلفاءها من الرد على هذه الغارات بتقديم أسلحة متقدمة لهم.
روسيا الآن أمام خيارين: إما تدفع بالصراع مع أميركا لمرحلة تجعل من الصعب على طرف تجاوز حضورها في سورية وإما أن تتخلى عن دورها في ذلك البلد وتنسحب لأن حضورها لن يكون له معنى إذا ما تم قصف سورية بهدف تدمير جيشها.
أما إيران وحلفاؤها في المنطقة فإن عليهم أن يتوقعوا مغامرات عسكرية أميركية جديدة على امتداد مناطق حضورها من لبنان الى اليمن. وهذا ينطبق على تركيا التي لن تمانع إدارة ترامب في تهديدها بهدف الحفاظ على حلفائها الأكراد.
أميركا التي لا تمتلك سياسة تجاه سورية منذ أن بدأت الازمة فيها قبل سبعة أعوام باستثناء "دعهم يقتلون بعضهم البعض"، لا يجب السماح لها اليوم بأن تعمل على استمرار المذبحة بعد أن شارفت على الانتهاء.