تحيي المؤسسات الصحية والمهتمة في العالم السابع من نيسان يوم الصحة العالمي كل عام وهي تدافع وتطالب بالمزيد من السياسات والموازنات من أجل تحسين صحة الإنسان التي ومع تقدم الوقت وعصرنة الحياة تزداد بؤساً وشقاءً لأسباب متعددة على الرغم من إطلاق منظمة الصحة العالمية مطالباتها لضمان قدرة الناس في كل مكان للحصول والوصول للخدمات الصحية الأساسية والوصول إليها دون مواجهة أية صعوبات مالية مشددةً على ضرورة تبني "الصحة للجميع" كرؤية للعمل ومن أجل الوصول لأهداف التنمية المستدامة.
وبهذه المناسبة فإن إطلاق شعار"الصحة للجميع" يشكل مركز ثقل للجهود التي يجب أن تبذل ليتمتع السكان وأسرهم بصحة جيدة خاصةً وأن الإحصاءات لا زالت تشير إلى وجود أكثر من 400 مليون في العالم يفتقرون للخدمات الصحية الأساسية.
وعند الحديث عن عالم أكثر صحة وأكثر إنصافاً فهذا يعني ضرورة وضع الصحة كأولوية مرتكزة على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في جميع المناهج والسياسات الحكومية في المحددات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للصحة ضمن التزامات قوية وشراكات بين جميع الأطراف.
وفي الحالة الفلسطينية فإن الظروف المعقدة والمركبة نتيجة وجود الاحتلال الإسرائيلي وعدم كفاية الخدمات المقدمة من قبل الحكومة الفلسطينية يصعب من تحقيق الصحة للجميع، فبالنظر للإجراءات والممارسات الإسرائيلية وما تسببه من انتهاكات لحقوق الإِنسان وصحته. والحصار والحواجز والجدار العازل، تشكل المعيقات الأَساسية للتنمية الصحية، بالإِضافة إِلى إعاقة عملية إعادة التعمير في القطاع الصحي في قطاع غزة بعد الأَضرار الجسيمة التي لحقت بالمؤسسات الصحية جراء العدوان الإسرائيلي في 2014، وما خلفه العدوان والحصار المستمر لقطاع غزة من الإِصابات والإِعاقات الجسدية والأَضرار النفسية على الأَطفال والنساء وكبار السن، إضافة إلى تفاقم معاناة الفقراءة حقوق الإنسان الفقر . إن الاحتلال الإِسرائيلي وواقع الأَزمات يهدد وبشكل مستمر تدهور الإِنجازات التنموية على صعيد الصحة. ويضاف إلى ذلك حصار القدس ومنع المواطنين من الوصول لمراكز تقديم الخدمات الصحية لتلقي العلاجات أو منعهم من السفر للخارج وإستهدافه للمؤسسات والمراكز الصحية واعتداءاته المستمرة على الأطقم الصحية دون رادع.
إن التغطية الصحية الشاملة كأساس للتنمية الصحية المستدامة تسعى كافة الدول إلى تحقيق أبعادها الثلاثة (تغطية كافة شرائح المواطنين، توسعة سلة الخدمات، ضمان الحماية المالية للمواطن) لا زالت بعيدة عن التحقق لأسباب متعددة ليس أقلها نقص الموازنات المخصصة للقطاع الصحي في الموازنة الحكومية العامة بالنظر لقطاعات حكومية أخرى، ويضاف إلى ذلك عدم الوصول لمرحلة توطين الخدمة الصحية في فلسطين وبالتالي إستنزاف موارد وزارة الصحة من خلال التحويلات العلاجية، ويضاف إلى ذلك حالة الاستهداف الممنهج لموارد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وخاصة من قبل الولايات المتحدة بات يشكل تحدي كبير في تحقيق الصحة للجميع ومتطلباتها الأساسية ولا سيما لقطاع اللاجئين في أقاليم عمل الوكالة المتعددة، وعلى مستوى القطاع الصحي الأهلي الفلسطيني فإن قلة وتراجع التمويل تفاقم من خطورة الوضع وتهدد المسار الصحي الذي كانت تقدمه للمواطنين.
وبحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية في آذار من العام 2018 فإن الإنفاق الأسري من إجمال الإنفاق الصحي يصل إلى 45% في حين تصل نسبة السكان المشمولين بنظام تأمين صحي معتمد تصل إلى 82% بالإعتماد على العام 2016،
وعلى ما تقدم ولمناسبة يوم الصحة العالمي فإننا لنؤكد على:
-ضرورة ردع الاحتلال وإلزامه بعدم استهداف صحة الفلسطينيين الذين يحتل أرضهم بما في ذلك التوقف عن تقييد حرية حصولهم ووصولهم للخدمات الصحية وإلزام إسرائيل كدولة احتلال أن تستجيب لمقررات الهيئات الدولية للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والجهات الدولية وأخرها قرارات مجلس حقوق الإنسان في جلسته المؤرخة في 23 آذار والذي أدان فيها أوضاع حقوق الإنسان في فلسطين وطالب فيها إسرائيل بالانسحاب إلى حدود 1967 والوقف الفوري لكل الإنتهاكات ضد الشعب الفلسطيني وتنفيذ قرارات مجلس الأمن في هذا الشأن، داعياً في الوقت نفسه لإتخاذ تدابير عاجلة لحماية حقوق الشعب الفلسطيني، وتعويض الفلسطينيين عن جميع الأضرار التي لحقت بهم بسبب الاإتهاكات الإسرائيلية، وتنفيذ توصيات البعثة الدولية لتقصي الحقائق حول الآثار السلبية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني جراء المستوطنات الإسرائيلية بما في ذلك الأضرار التي لحقت بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية.
-تدين مؤسسة لجان العمل الصحي السياسات والإجراءات المتخذة لتقليص الدعم المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والتحريض على تقليص خدماتها ومسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين والتي تُنذر بحرمان أكثر من 5 ملايين و800 ألف لاجئ فلسطيني من الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية، وتأتي هذه الاجراءات في إطار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي إتخذه في يوم 6.12.2018 والذي يقضي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية، إلى جانب تحريض سلطات الاحتلال الإسرائيلي المستمر على نزع الشرعية الدولية عن اللاجئين الفلسطينيين، وتطالب الدول المتعاقدة بعدم التخلي عن مسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين بموجب ميثاق الأمم المتحدة وقرارات هيئة الأمم المتحدة.
-ندعو الحكومة الفلسطينية لرفع الموازنات المخصصة للقطاع الصحي باعتباره قطاعاً يمس حياة الكل الفلسطيني حيث أن المخصصات المالية للصحة وخلال السنوات الماضية لم تكن كافية ولم تستطع الاستجابة لتنامي الطلب على الخدمات الصحية ما حرم الكثيرين منها وعرض حياتهم للخطر. ونطالب بموائمة القوانين المحلية وبخاصة قانون الصحة العامة ونظام التأمين الصحي مع إلتزامات دولة فلسطين الناتجة عن إنضمامها للمواثيق والعهود الدولية بما فيها العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما يضمن سياسات تضمن نطاقات التغطية الصحية على نحو متساو.
-نشدد على ضرورة التناغم بين مقدمي الخدمات الصحية وصولاً إلى تغطية شاملة جغرافياً وبشرياً بما يضمن حق المواطنين في المناطق المعزولة والمهمشة في الحصول على احتياجاتهم من الخدمات الصحية.
-نجدد تأكيدنا على أن رؤيتنا للتغطية الصحية الشاملة ترتكز على مبدأ الاقتناع بأن الصحة حق أساسي من حقوق الإنسان وهي ليست إمتيازاً بما يعنيه ذلك من أهمية عدم التمييز بين المواطنين أو عدم سحب تبعات الإنقسام السياسي على متطلباتهم وحاجاتهم الصحية.
-يجب العمل على عدم دفع السكان للإختيار بين التمتع بالصحة وضروريات الحياة الأخرى في ظل الفقر والبطالة لاسيما وأن أكثر من 100 مليون شخص في العالم يعانون من الفقر المدقع ما يضطرهم لتحمل نفقات الخدمة الصحية وبلا شك منهم فلسطينيون.
-نعتبر تركيز منظمة الصحة العالمية على محددات الإلهام بتسليط الضوء على قدرة راسمي السياسات في تحويل صحة شعوبهم ووضع التحدي في إطار الإثارة والطموح، وكذلك التحفيز عبر تبادل التجارب بين البلدان والتوجيه من خلال توفير الأدوات الخاصة بالحوار السياسي المنظم بشأن التقدم صوب تحقيق التغطية الصحية الشاملة منطلقات يمكن تبنيها والعمل عليها في فلسطين وصولا لتحقيق الصحة للجميع.