أبعادٌ عميقة، ورسائلُ بليغة، طيّرتها مسيرة العودة الكبرى، التي خرج فيها مئات الآلاف في قطاع غزة، الجمعة (30/3)، وارتقى خلالها 16 شهيدًا، إضافةً لإصابة المئات – بينهم نساء وأطفال - بجراحٍ متفاوتة، في الذكرى السنوية الثانية والأربعين ليوم الأرض.
أول هذه الرسائل التي حملتها المسيرة، هي أن شعبنا حيٌ - وسيظل كذلك - وأن محاولات تحييده عن الصراع من خلال اختلاق أزمات حياتية، وتشديد الخناق والحصار عليه، لن تفلح في الوصول لمرادها.
ومن الرسائل التي أكدتها مسيرة العودة الكبرى، أن شعبنا لا يعدم الوسيلة، وهو قادرٌ على ابتكار أدوات مواجهة ناجعة، وغير تقليدية، من شأنها لفت أنظار الرأي العام العالمي لمعاناته، وما يكابده على يد الاحتلال الإسرائيلي.
وكان من بين الرسائل الهامة لهذا الحدث الكبير، أن نكبة التشريد والتهجير التي عاش أجدادنا وآباؤنا تفاصيلها في العام 1948، وما تلاها من انتكاسات ومآسٍ لعل أبرزها احتلال كامل مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك في العام 1967، لن تحقق أماني العدو في كي وعي الأجيال، فها هم الأحفاد قد نصبوا خيام العودة قرب الحدود الزائلة غير آبهين بالاحتلال وإجراءاته، في رسالة تحدٍ واضحةٍ له مفادها بأن سبعة عقود من المعاناة والتهجير، لن تنسينا حقنا في أرضنا، وأننا عائدون رغمًا عن أنفك.
ولعل من الرسائل التي أوصلتها هذه الفعالية الوطنية، أن شعبنا توحده الثوابت والحقوق، فالجماهير التي خرجت يوم الجمعة، كانت من سائر القوى والفصائل والفعاليات الشعبية، وقد ترّفع جميع من شاركوا في المسيرة عن مظاهر الحزبية، وحملوا أعلام فلسطين، ورددوا شعارات جامعة في صورةٍ بهيّة ومعبرة.
كما أن هذه المسيرة، أوصلت رسالةً شعبية قوية للرئيس الأميركي دونالد ترامب – المنحاز بشكلٍ سافر للاحتلال الإسرائيلي– أن ما تسمى "صفقة القرن" التي دشنتها بإعلانك المشؤوم أن القدس عاصمةٌ لـ"إسرائيل"، لن تمر، وسيكون الرد صارمًا على أي محاولات تهدف لتمريرها أو إنفاذها.
ومن أبعاد هذه الفعالية الجماهيرية الضخمة، أنها قد تؤسس لإستراتيجية وطنية فلسطينية جديدة، تشارك بموجبها سائر الأطياف والمشارب السياسية بالفعل والمواجهة، تحت قيادة مشتركة، لتكون المواقف والجهود متكاملةً وموحدة، وهو ما من شأنه أن ينعكس إيجابًا على قضيتنا.
ومن دلالات وأبعاد مسيرة العودة، إثباتها أن شعبنا قادرٌ بقوة إيمانه وإرادته الصلبة على انتزاع حقوقه، وأن غياب واجب الإسناد والنصرة له من العمق العربي والإسلامي – بحكم الواقع والظروف التي تحكمه – له تأثيره دون أدنى شك، لكن ليس بالقدر الذي يحول دون تحقيق النتائج.
ولقد نجحت هذه الفعالية الجماهيرية الفلسطينية – وما سبقها من نجاح لشبان فلسطينيين في التسلل عبر الحدود الفاصلة بين الأراضي المحتلة عام 1948 وقطاع غزة عدة مرات مؤخرًا - في إحداث تآكل في حالة الردع الإسرائيلي، وقد تقود الأمور في أي وقت لحرب جديدة، فقد شبهت صحيفة "معاريف" في عددها الصادر الجمعة (30/3)، القطاع المحاصر، بطنجرة ضغط موجودة تحت نقطة الغليان، الأعلى منذ "الجرف الصامد" (العدوان الأخير على غزة عام 2014)، والطنجرة ممتلئة، مغلقة، والصمامات المسؤولة عن تحرير الضغط لا تعمل الآن، تقريبًا بشكل تام.
خلاصة القول: علينا أن نُحسن المراكمة على هذا الحدث الجماهيري القوي، واستثماره سياسيًا، وتوظيفه إعلاميًا بطريقة مثلى، نواصل من خلالها تسليط الأضواء أكثر فأكثر على الفكرة والأهداف والمرتكزات التي قامت عليها مسيرة العودة من جهة، ومن جهةٍ ثانية نركز جهودنا على فضح الاحتلال وعدوانه الغاشم الذي طال المدنيين العزل، ممن شاركوا فيها.