محمد حجازي
كاتب مقيم في فلسطين
عندما يتحدث غيورا آيلاند مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق ، لواء سابق في الجيش " صاحب مشروع دولة فلسطينية في سيناء " يجب أن نستمع إليه جيدا ، لأنه يعبر عن الرؤية الإسرائيلية بشأن مستقبل القضية الفلسطينية عامة وبشكل خاص مستقبل قطاع غزة .
أجرت صحيفة معاريف الإسرائيلية مقابلة مع غيورا آيلاند يوم 25 آذار الماضي، حدد فيها رؤيته لمستقبل قطاع غزة بالمنظور الحالي وفق ثلاث مرتكزات، الاول ان غزة و بحكم الامر الواقع دولة مستقلة منذ 11 سنة فللدولة توجد أربع خصائص، أرض محددة، حكم مركزي ناجع، سياسة خارجية مستقلة، وجيش خاص بها، وغزة تستجيب لكل هذه الشروط الاربعة بحسب آيلاند .
اما الثاني فيتعلق بالمصالح يقول آيلاند ، ليس لإسرائيل بالنسبة لغزة مصالح سياسية اقتصادية أو اقليمية، فقط المصلحة الأمنية في الحفاظ على الهدوء، مع ان لحماس رؤيا لتصفية اسرائيل، ولكن في كل ما يتعلق بالمصالح قصيرة المدى، فإنها تكتفي بمواصلة السيطرة على غزة، لهذا الغرض فإنها بحاجة الى شرعية دولية، والى مساعدة اقتصادية عاجلة ، وعليه فلا يوجد تضارب حقيقي بين المصالح الاسرائيلية والمصالح الآنية لحماس.
اما الثالث وبحسب آيلاند أيضا ، انه لا يمكن اعادة اعمار غزة طالما كان الاصرار على أن تصل اموال الاعمار الى السلطة الفلسطينية، فأبو مازن غير معني بإعمار القطاع ، هو معني بإسقاط حكم حماس ، فعلى اسرائيل أن تحدث تغيرا في سياستها اتجاه غزة ، ان تعترف بانها تحادي دولة مستقلة تسمى غزة ، الحكم فيها انتخب بشكل ديمقراطي نسبيا، اضافة الى ذلك على اسرائيل ان تشجع دول الغرب والدول العربية ، على الاستثمار في اعمار غزة، باشراك حكومة حماس وليس من خلف ظهرها ، وكلما بنيت في غزة المزيد من محطات توليد الطاقة، منشآت التحلية او مشاريع لإنقاذ المجاري – تكون حكومة حماس ملجومة أكثر.
وفي مكان آخر من المقابلة يقول آيلاند ، ليس لإسرائيل أي مصلحة في تحويل هاتين المنطقتين " الضفة و قطاع غزة " الى نوع من الدولة الواحدة، من الافضل لنا أن ندير سياسة صحيحة تتمثل بالعصا والجزرة تجاه الكيان السياسي المستقل في غزة .
هذا الاقتباس الطويل كان ضروريا للدلالة على المصيبة التي وصلنا إلها ، فشل الفلسطينيون في إنجاز إنهاء الانقسام و استعادة الحياة الديموقراطية ، إلى جانب بناء مؤسسات فلسطينية قوية تستوعب الاختلاف ، فشلنا لأننا عجزنا لتأسيس حوارا استراتيجيا بيننا ، الصراع على سلطة تحت الاحتلال و الارتهان لمتغيرات الإقليم أضر بالقضية الفلسطينية ، وشوهه الفلسطينيين كجماعة سياسية واحدة تتطلع للحرية و الاستفلال ، كل هذا ضاع مع بداية الانقسام وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007 .
آيلاند يتحدث عن دولة غزة ، وعن نظامين فلسطينيين لا يلتقيان ، وعن تمثيل سياسي وشرعية لحركة حماس ، ويقول أيضا أن لا مصلحة لإسرائيل بوحدة البنية السياسية للفلسطينيين ، ماذا تبقى اكثر من ذلك ، المجتمعات الفلسطينية التي كانت موحدة سواء في الخارج أو داخل فلسطين تنوعت واختلفت بالسياسة ، ولم تعد جماعة سياسية واحدة ،
فلسطينيي سوريا تركوا لوحدهم يواجهون مصير مجهول .
محاولة تفجير موكب رئيس الحكومة في قطاع غزة ليست إستثناءا ، فهي امتداد لسلوك سياسي طويل ، وهي نتيجة لحالة التشرذم و التفرقة .
البعض يقول أن نهاء الانقسام يقوي سلطة أبو مازن في السيطرة و الاستحواذ على القرار الفلسطيني ، وبالتالي يتم تأجيل المصالحة انتظارا لتغير قد يحث في الإقليم ، أو تغيرا في السياسة الأمريكية اتجاه حركة حماس وقطاع غزة كما يدعو آيلاند .
لماذا فشلة المصالحة ، سؤال أي طفل فلسطيني يستطيع أن يجاوب عليه بشكل واضح وصريح ، إسرائيل لا تريد ذلك أمريكا لا تريد ذلك و العرب لا يريدون ذلك ، إذن القضية ليست مرتبطة برؤية حماس السياسية فقط ، وهي رؤية مرتبطة بالتمكين و السيطرة ، ولا برؤية حركة فتح فقط ، صاحبة الوطنية الفلسطينية وحل الدولة الواحدة , و الهيمنة و الاستئثار بالقرار الوطني ، في ظل غياب الإرادة السياسية غير المتوفرة حاليا ، جرى تحطيم الفلسطيني في قطاع غزة ، كما جرى تحطيم الفلسطيني في مخيمات اللجوء في سوريا ، وقبل ذلك في مخيمات لبنان ، ضاعت فكرة التحرر و الاستفلال في الصراع الداخلي الفلسطيني .
البعض يلوح وللخروج من المأزق ، بالحل الفيدرالي بين الضفة و القطاع ، الحل من خلال اتحاد طوعي وحكومة مركزية ، و إدارة ذاتية ، ينسى صاحب هذا الطرح أن قطاع غزة و الضفة الغربية ومدينة القدس، مناطق محتلة بحسب الواقع و القانون الدولي ، و امام هذا الواقع المر وفي ظل غياب لغة العقل ولغة المصالح العليا للشعب الفلسطيني ، يبقى الوجود البشري الفلسطيني راسخا في أرض فلسطين ، ما فشلت فيه السياسة قد تنجح به الديموغرافيا، ولكن بشرط وحدة القضية ووحدة الشعب .