الذي حاول اغتيال الدكتور الحمد الله، رئيس الوزراء، وماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات العامة، بلا شك كان يستهدف تفجير مشروع المصالحة الوطنية الفلسطينية.
"حماس"، كسلطة أمر واقع في غزة، مسؤولة بلا أدنى شك عن كشف الجناة وتقديمهم للمحاكمة، مثلما هي السلطة الفلسطينية في الضفة مسؤولة عن أمن الفلسطينيين فيها. رغم ذلك، عندما تقوم إسرائيل في الضفة باعتقال فلسطينيين أو قتلهم، لا يقول أحد: إن السلطة فيها تتحمل مسؤولية ذلك لأن الجميع يعلم أنها لا تستطيع حمايتهم. إسرائيل اغتالت رأس السلطة الفلسطينية، الراحل عرفات، رغم كل احتياطاته الأمنية.
في غزة، ورغم كل إجراءات "حماس" الأمنية لحماية قادتها، تمكنت إسرائيل من اغتيال قادة لها، كان آخرهم الأسير المحرر مازن فقهاء.
وفي غزة، تعمل أيضاً جماعات تكفيرية متطرفة ساعد الحصار الاقتصادي والسياسي المستمر منذ عشر سنوات على وجودها. عملية اجتثاثها ليست سهلة، ولنا في تجربة الجيش المصري الذي يحاول القضاء على الإرهاب في سيناء منذ أربع سنوات خير مثال.
يضاف لهذه الحقائق أن مشروع حل الدولتين قد أسقطته إسرائيل وأميركا "ترامب". الأولى بسياساتها الاستيطانية التي تستهدف ضم القسم الأكبر من الضفة، ومن خلالها عملها اليومي على تهويد القدس وطرد سكانها العرب منها. والثانية عبر ترددها أو رفضها سابقاً الضغط على إسرائيل لإيقاف سياساتها الاستيطانية، ومن ثم في عهد، الرئيس ترامب، من خلال اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ومن الحقائق الأخرى، أن أي جهة فلسطينية تسعى لاحتكار وسائل العنف في ظل غياب الدولة الفلسطينية المستقلة لن تتمكن من القيام بذلك. أولاً، لأن جهات عديدة ستسعى لامتلاكه بهدف مواجهة إسرائيل وحماية نفسها، وثانياً، لأن الجهة التي تسعى لاحتكاره لا تستطيع تأمين الفلسطينيين وحماية أرواحهم من إسرائيل ولا تمتلك في نفس الوقت مشروعاً سياسياً لإنهاء الاحتلال وتجسيد نفسها كسلطة دولة على أرض الواقع، وهي بالتالي لا تمتلك حتى الأدوات الأيديولوجية التي تبرر لها شعار احتكار حمل السلاح.
هذه الحقائق يعلمها كل فلسطيني، وبالتالي من الصعب فهم السلوك السياسي للنخب الفلسطينية التي تتجاهلها خصوصاً وأنها تدرك أنها مقبلة على استحقاقات سياسية كبيرة تتطلب قدراً عالياً من الوحدة والتنسيق بين الفلسطينيين بمشاربهم السياسية المختلفة.
من الصعب حقاً فهم كيف يمكن الدمج بين سياسة التصعيد مع أميركا و"حماس" في نفس الوقت. هل تشديد الخناق على "حماس" وبالتالي على "غزة" مثلاً يخدم مواجهة السياسة الأميركية العدائية للشعب الفلسطيني؟ هل يخدم مواجهة إسرائيل؟ هل سيجبر "حماس" على الاستسلام لقبول مشروع السلطة الواحدة والسلاح الواحد؟
الإجابات بالتأكيد لهذه الأسئلة جميعها، لا كبيرة.
ما يخدم سياسات مواجهة أميركا وإسرائيل تجاه القضية الفلسطينية هو أكبر قدر من التنسيق والتعاون بين الفلسطينيين بهدف وضع إستراتيجيات لحراك فلسطيني يحمي المشروع الوطني وثوابته.
هذا يتطلب التواصل المستمر بين التنظيمات الفلسطينية، اجتماعات مشتركة لقياداتها، وتشكيل لجان عمل مشتركة، والتوافق على كيفية إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وبشكل خاص ما يتعلق بمجلسها الوطني ولجنتها التنفيذية. والتوافق في نفس الوقت على تحديد جبهة الأصدقاء والخصوم وكيفية التعامل معهم.
أما "حماس" التي خاضت ثلاث حروب مع إسرائيل منذ العام ٢٠٠٧، فهي لن تتنازل عن سلاحها في ظل غياب الدولة الفلسطينية المستقلة. لماذا؟
أولاً، لأنها ومعها السلطة الفلسطينية أيضاً، يعلمان أن اليوم الذي تتخلى فيه "حماس" عن سلاحها هو اليوم الذي ستقوم فيه إسرائيل باجتياح القطاع واعتقال أو قتل قياداتها والعديد من نشطائها.
وثانياً، لأن تخلي "حماس" عن سلاحها لن يجلب دولة فلسطينية مستقلة للفلسطينيين، بل على العكس يمكنه أن يؤخر ذلك. في الضفة حركة "فتح" تخلت عن سلاحها للسلطة، لكن هل أفضى ذلك لدولة مستقلة؟ هل احتكار السلطة للسلاح مثلاً يمنع إسرائيل من اقتحام الضفة وقتل واعتقال من تريد منها.
لذلك أعتقد أن مطالبة "حماس" بما لا يمكنها القيام به لأسباب تتعلق بحماية أمنها من إسرائيل ولأنه في نفس الوقت لا يساعد على تحقيق هدف الدولة المستقلة، هو من مصلحة السلطة الفلسطينية.
لا أعرف كيف يمكن فهم سلوك النخب الفلسطينية في هذه المرحلة؛ لأن الأصل أن يخدم سلوكهم المشروع الوطني الفلسطيني. التفتت الفلسطيني يجعل من مهمة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والدولة المستقلة مستحيلة.
حتى الافتراض بوجود "مصالح شخصية" لا يمكنه أيضاً أن يفسر هذا السلوك. الأصل أن تكون هنالك دولة مستقلة حتى تتصارع النخب على "الغنائم" فيها، لكن حالياً، لا توجد غنائم حتى يتصارع البعض عليها.