نجحت المقاومة الفلسطينية من خلال ما اصطلح عليه عملية " كمين العلم" في اعادة ضبط قواعد الاشتباك مع الاحتلال الاسرائيلي القائمة منذ عدوان 2014 ، حيث تلقت المقاومة تحت غطاء التهدئة أكثر من ضربة وسالت دماء شهداء ، لكنها بحكمتها المعهودة واعدادها الصامت وتخطيطها الدقيق لم تنجر الى ما يسعى إليه الاحتلال – كما كل مرة- من فرض زمان ومكان المعركة حتى ردت بطريقتها الخاصة !!.
بلا شك الاحتلال درس العملية لاستخلاص العبر ، وبحث بعمق ذكاء المقاومة ، وأعاد التمعن فيما رصدته كاميرات المراقبة الحدودية وطائرات الاستطلاع الحربية وعملائه على الأرض في مسرح العملية قبل وخلال وبعد وقوعها ، وربما تمكن من تحديد الجهة والمقاومين الذين تمكنوا من زراعة العبوة الناسفة على السياج الحدودي شرق خانيونس في 17 فبراير الجاري ما أوقع 4 جنود اسرائيليين جرحى اثنان منهم حالتهما خطيرة هما قائد وحدة الهندسة "يهلوم" والثاني قائد سرية في لواء جولاني .
قادة الاحتلال اعتبروا ما حدث هو الأكثر خطورة منذ 2014 ، وهددوا وتوعدوا الشعب الفلسطيني ومقاومته ، سواء بالتعامل بسياسة جديدة مع التظاهرات قرب الحدود ، أو الاغتيال وكان أخطرها تصريح ليبرمان " الحادث لم ينته لأن منفذي التفجير لم يتم اغتيالهم " .
وشن الاحتلال أكثر من 18 غارة جوية بعشرات الصواريخ على مواقع وأنفاق للمقاومة ، وقتل فتيين وأصاب اثنين آخرين بجراح تسللا على الحدود شرق رفح رغم علمه بأنهما غير مسلحين فيما يبدو لارضاء اليمين المتطرف لديه ومحاولة رفع معنويات جنوده المنهارة .
الاحتلال سيفكر مليا قبل الاقدام مجددا على تجاوز الحدود ، ولم يتمكن من فرض معادلة جديدة على المتظاهرين على الحدود شرق غزة حيث واصل الشبان تظاهراتهم ضد الاحتلال رغم وقوع عشرات الجرحى بينهم ، وما زال أمام جنوده المرتبكين تظاهرات متصاعدة في مسيرات العودة ستبلغ ذروتها مع ذكرى يوم الارض الخالد نهاية آذار القادم .
التطور اللافت هو اعلان كتائب القسام عن تصدي مضاداتها الأرضية للطيران الحربي الاسرائيلي ، ورغم ابتلاع الاحتلال للموقف الجديد للمقاومة ، لكنه بالتأكيد سيعيد حساباته عند أي غارات جوية جديدة على غزة .
الاحتلال إن حدد فعلا منفذي العملية فبالتأكيد وضع خطط استهدافهم ، وهو ما يوجب الحيطة والحذر الشديدين لرجال المقاومة سواء من نفذ أو غيرهم ، فالتهديد بالاغتيال قائم ينتظر الفرصة المناسبة للتنفيذ حتى يستعيد جيشه هيبته المزعومة وفرض معادلة جديدة ، لاسيما أن العملية جاءت بعد صفعة اسقاط طائرة الاف 16 في شمال فلسطين المحتلة عام 48.
نعم الاحتلال معني بالحفاظ على الاستقرار والهدوء على جبهة غزة لأسباب عديدة ، لكن غروره قد يدفعه لاغتيال أبطال "كمين العلم" ضمن معادلة يراها محسوبة يسعى فيها لعدم اندلاع حرب وترميم حالة الردع المنهارة ، لكن لا أحد يضمن تدهور الأوضاع !!.
أحيانا ليس بالضرورة ان تحدث المعركة بسبب تخطيط طرف أو مبادرته إليها ، بل قد تقع نتيجة تطورات ميدانية ووقوع أحداث لم تكن بالحسبان وهو ما يتطلب أن يكون الجميع على جاهزية عالية ، لذلك وجب على القيادة السياسية والعسكرية للمقاومة أخذ تهديدات الاحتلال بجدية ، وتحضير سيناريوهات واقعية حول كيفية التعامل مع الاغتيال والرد وتطوراته إن حدث .