صحة الرئيس والمهمات العاجلة ..!! أكرم عطا الله

الأحد 25 فبراير 2018 09:45 ص / بتوقيت القدس +2GMT
صحة الرئيس والمهمات العاجلة  ..!! أكرم عطا الله



واحدة من المحرمات في الوطن العربي وفي السياسة والصحافة العربية نقاش بناء النظام السياسي بعد الرئيس أو الخوض في تفاصيل صحة الرئيس خصوصاً عندما يتقدم في السن بينما يحتل هذا النقاش مساحة هي الأكبر في الصالونات المغلقة والأحاديث الاجتماعية لكننا كما جرت العادة نتجنب هذا النقاش على الملأ وكأن الأمر يخص حزب أو عائلة رغم أهميته التي تتعلق بنظام سياسي بأكمله لسببين :

الأول لأن في المنطقة العربية يُبني النظام السياسي فيها على دور الرئيس الوحيد وبالتالي فان غيابه حتى لو بحادث طائرة يحدث هزة كبيرة في النظام السياسي ويحدث تحولاً هائلاً في كل بنية الدولة وعلاقاتها الخارجية وسياساتها العامة ونظام الحكم نفسه.

أما الثاني فهو غياب المؤسسة التي تعيد انتاج الوريث بشكل يضمن استمرار الدولة دون تلك الهزة العنيفة وخاصة أن الشكل الطاغي للنظام السياسي نظام الرجل الأول دون أن يكون هناك ثاني وثالث و رابع حتى و هو ما يجعل من القلق مسألة طبيعية و خصوصا بعدم وجود الرجل الثاني كما حدث لحظة غياب الراحل ياسر عرفات كنا نعرف أن رجل السياسة الأبرز هو الرئيس محمود عباس.

يوم الخميس الماضي مساء كانت تتداول مواقع الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي خبر إجراء الرئيس فحوصات في مستشفى أميركي و بعضها كان يبالغ بالحديث عن تراجع في صحة الرئيس هذا قبل أن يعلن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ أن ما جرى عبارة عن فحوصات روتينية و أن الرئيس بخير ثم حُسم الأمر بالمقابلة التي أجراها الرئيس مع تلفزيون فلسطين نافيا كل ما جرى تداوله وأنه بكامل صحته ليهدأ بعدها الرأي العام.

هدأت موجة القلق ولكنها فتحت أسئلة كبيرة جدا ماذا لو غاب الرئيس ونحن على هذه الحالة من التمزق والتفتت؟ حتى لو قدم استقالته فجأة و غادر لأي سبب و تلك أسئلة يستولدها الواقع الصعب للنظام السياسي المصاب بالشلل و التهتك فلا منظمة التحرير هي المنظمة الصلبة باتحاداتها الشعبية القائمة اتحادات الطلاب والعمال والمرأة ولا السلطة هي السلطة التي أصيبت بالكساح منذ أن اقتتل أبناؤها عليها في غزة وسيطرت عليها حركة حماس وطردت السلطة ولا حركة فتح هي حركة فتح منذ الأزمة المفتعلة مع عضو اللجنة المركزية السابق محمد دحلان ، إنه واقع صعب على كل الأصعدة يصبح فيه غياب الرئيس أزمة أكثر استعصاء وربما تتسبب بانهيار من الصعب السيطرة عليه.

الرئيس بصحة جيدة ولكن ماذا لو حدث فراغ في لحظة ما ، إنه السؤال الصعب والذي أجد صعوبة أن ينشر حتى في صحيفة الأيام ولكنه سؤال مصير كل فلسطيني وكل مواطن وكل حزب وكل مؤسسة وسؤال المستقبل الغامض الذي يخشاه كل من يعيش في هذا الوطن إلا الذين يريدون خرابا وانهيارا لنا يتمنون غياب أبو مازن في هذه الظروف وقبل أن يعيد ترتيب الوضع الفلسطيني بكل مؤسساته.

الرئيس يزاول عمله ولكن ما حدث الخميس الماضي يجب أن يرفع كل الإشارات الحمراء في وجوهنا جميعا وهي إشارة يجب أن تصدمنا للتفكير بما يجب أن يكون وخصوصا أننا نعرف أن مجيء ترامب للحكم وما مارسه خلال العام الماضي تسبب بضغط و غضب شديدين وتسبب بتأثير على صحة الرئيس خلال هذا العام وبالتالي لأن الأمر يخصنا جميعا ويخص نظامنا السياسي وأبناؤنا ومستقبلنا الوطني أرى أن يخرج النقاش من الغرف المغلقة للعلن رغم صعوبة المسألة في واقع عربي يمارس كل شيء بالسر.

لذا فإن الرئيس الذي بلغ من العمر والحكمة ما يجعله الأقدر على إعادة بناء ما دمر لدينا من غياب للمؤسسة ، بل يجب أن تكون المهمة الأولى بعد العودة هي البدء بورشة العمل ليقطع على الإسرائيلي والأميركي استغلال غياب المؤسسة والرجل الثاني فرصة تركيب قيادة يخشى منها الجميع وهذا وارد وخصوصا أن هناك شخصيات بدأت تطل إحداها أحدث قلقا شديدا في الأوساط السياسية الوطنية لدى زيارته إلى غزة.

لذا فإن مهمة الرئيس الوطنية الأولى الآن هي إعادة تجميع كل الشظايا التي تطايرت أثناء الخلافات السابقة كحالة أبوية لها سلطة القرار الأخلاقي قبل قراره كرأس المؤسسة و تلك مهمات عاجلة لا تستدعي مزيد من الانتظار بالرغم من أنها ليست سهلة وستجد مخالفة من قبل كثير من الورثة الذين يعتبرون أن هذا الوضع المثالي لطموحاتهم ومصالحهم حتى على حساب ركام الوطن.

البدء في حركة فتح التي يتسع انقسامها إثر خلاف زائد خاضه الطامحون للوراثة للإيقاع بين الرئيس و حليفه التاريخي محمد دحلان هذا الخلاف أثر جديا على حركة فتح وخصوصا لدى قواعدها في قطاع غزة وأعطى للأخير متسعا للعمل خارج مؤسسات الحركة وكسب مزيد من المؤيدين على حساب الحركة لذا فإن المهمة الأولى إعادة توحيد حركة فتح فهي لا تستطيع الدخول لانتخابات في ظل هذا الانقسام وهناك تجارب في انتخابات البلدية قبل الأخيرة كيف تصارعت حركة فتح مع حركة فتح وكيف هزمت فتح حركة فتح وهذا يشكل خطرا ليس فقط على الحركة بل على الهوية الوطنية التي كانت حركة فتح الحامل الرئيس لها منذ خمسة عقود.

المهمة الثانية والعاجلة بعد ترتيب حركة فتح هي إنهاء الانقسام مع حركة حماس و استعادة غزة للسلطة الوطنية مهما تطلب الأمر حتى وإن استدعى تقديم تنازلات فالمشروع الوطني أكبر وأهم من الخلافات الحاصلة و رب البيت هنا أقدر على إنهاء هذا الملف رغم ما تضعه حركة حماس من صعوبات إلا أن المسئولية الوطنية تستدعي النجاح في احتواء حماس داخل المؤسسة الوطنية وهذا له ثمن وتلك مسئولية الرئيس وإن بشكل مؤقت حتى إجراء الانتخابات .

المهمة الثالثة هي التحضير واجراء الانتخابات بسرعة شديدة لضمان أن يتم ترتيب كل البيت الفلسطيني أمام أعين الرئيس ومن الطبيعي أن يكون الرئيس هو مرشح الرئاسة وأن يطلب من حركة حماس ألا تتم منافسته وان كان ذلك مخالف للحقوق الطبيعية ولكن لأن الوضع استثنائي والقضية معقدة وحتى يذهب الرئيس لكل ذلك بارتياح يمكن أن تتعهد بذلك.

ان قيمة كل تلك الخطوات وأبرزها الأخيرة تكمن أهميتها بأنها الكفيلة بقلب الطاولة في وجه الصفقة الأميركية القادمة في ظل انشغال الفلسطينيين بالانتخابات والتي قد تشغلهم حتى الصيف القادم وتقطع الطريق على قيادات قد يفكر بفرضها أحد من خارج النظام السياسي،  تلك الخطة الوحيدة وبدونها سيستكمل انهيارنا ودون ذلك لا خيارات أمامنا الاستسلام لقدر الضياع..!!!

Atallah.akram@hotmail.com