خلال تحقيقات الفساد المختلفة التي طالت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تبين حجم هوسه بالإعلام وصورته الإعلامية أمام الشعب، وكذلك شكل التغطية التي تتناوله وزوجته سارة، ولذلك حاول التأثير في مضامين 13 وسيلة إعلام مختلفة، سواء مرئية أو مكتوبة أو مسموعة.
وحاول نتنياهو توجيه الرأي العام حيث يريد باستخدام منصبه وسلطته للتأثير على وسائل الإعلام، وازدادت هذه الرغبة والقدرة منذ تعيينه لنفسه وزيرًا للاتصالات عام 2015، حيث استطاع التأثير على قطاع الإعلام بالكامل، بكل فروعه وتوجهاته.
ووسائل الإعلام الـ13 هي: صحيفة "يديعوت أحرونوت"، صحيفة "يسرائيل هيوم"، "صحيفة معاريف"، القناة العاشرة، القناة الثانية وشركة الأخبار، القناة 20، قناة كان (هيئة البث العام)، قناة الكنيست، إذاعة الجيش، إذاعة "ريشيت بيت"، موقع "واللا" وموقع "واينت"، وتملك وسائل الإعلام هذه تأثيرًا منقطع النظير على المجتمع الإسرائيلي.
التلفزيون: القناة الثانية والعاشرة
في العام 2012، بلغت أزمة القناة الإسرائيلية العاشرة ذروتها، ومع وضع اقتراحات على طاولة لجنة الاقتصاد في الكنيست، جاءت الصدمة الكبرى، إذ قرر نتنياهو أخذ صلاحية اتخاذ قرار السماح لشركة الأخبار بالبث في قناتين مختلفتين بعد فصل القناة الإسرائيلية الثانية (التي تم فصلها لقناتين منتصف 2017، ريشيت وكيشيت)، متجاهلًا وزير الاتصالات في حينه، موشيه كحلون.
وعلل نتنياهو هذه الخطوة بخلق منافسة في قطاع الإعلام ولمنع احتكار أي جسم بث الأخبار في إسرائيل، وبعد العاصفة التي أحاطت بهذا القرار وإدراك الجميع أن نتنياهو يحاول السيطرة على وسيلة الإعلام الأكثر تأثيرًا، ألغي القرار وقدم اقتراح آخر يمنح القناة العاشرة متنفسًا لبعض الوقت.
وتبين مؤخرًا أن القناة العاشرة كانت من أولويات نتنياهو، إذ حاول كسب أصحابها لصفه، وهمت رون لاودر وأرنون ميلتشين، ذاته الضالع في الملف 1000 حول الهدايا والشمبانيا والسيجار، وخلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد نشر فضيحة "بيبي تورز" عام 2011، عمل نتنياهو بجد لإغلاق القناة، مع الحفاظ على مصالح وأرباح ميلتشين. وفي خطابه الأسبوع الماضي اعترف بمحاولته إغلاق القناة.
وبحسب تحقيقات الملف 1000، حاول نتنياهو منع تقديم موعد فصل القناة الثانية، وكذلك دفع باتجاه حصول ميلتشين على أسهم في قناة "ريشيت" وكذلك يمكنه من السيطرة على الشركة التابعة للقناتين، شركة الأخبار، واجتمع نتنياهو مع ميلتشين بحضور مدير وزارة الاتصالات، شلومو فيلبر، الذي وقع اتفاق شاهد ملك في الملف 4000.
هيئة البث العام
كانت هيئة البث العام إحدى الازمات السياسية الحارقة خلال السنوات الأخيرة، والتي بسببها هدد أكثر من حزب بالانسحاب من الحكومة، إذ أقر إصلاح لإقامة هيئة البث العام كجسم مستقل، إلا أن نتنياهو فضل الإبقاء على سلطة البث القديمة والمترهلة، والتي يستطيع السيطرة عليها والتدخل بها، وكان تصريح الوزيرة ميري ريغيف الشهير خلال أحد الاجتماعات "ما حاجتنا لهيئة بث إذا لم نستطع السيطرة عليها؟".
وبعد مداولات وسجالات كادت تكلف نتنياهو ائتلافه الحكومي، حاول فرض تسوية بموجبها يتم فصل هيئة البث العام إلى اثنتين، هيئة عادية وأخرى للأخبار، وهذه التسوية لم تحسم بعد وتنتظر قرار المحكمة العليا.
القناة 20
كانت إشكالية القناة 20 من الإشكاليات البارزة في فترة ولاية نتنياهو، إذ حصلت القناة على رخصة بث على أساس أنها قناة تهدف لتعليم الثقافة والتراث الإسرائيلي، لكن بعد ذلك تركزت القناة في بث الأخبار وباتت إحدى وسائل الإعلام الأكثر دعمًا لنتنياهو، وحظيت عدة مرات بمقابلات خاصة مع نتنياهو أو زوجته سارة، في حين قاطع نتنياهو بقية القنوات.
ومؤخرًا، صادقت الكنيست على تعديل يعقي القناة 20 من أي التزام وتحول إلى قناة تجارية على جميع الأصعدة، ودفع نتنياهو بهذا التعديل الذي يصب في مصلحة القناة التي بات بإمكانها منافسة باقي القنوات، أي أنها أصبحت النسخة المرئية من صحيفة "يسرائيل هيوم".
الصحف المطبوعة
تعرف صحيفة "يسرائيل هيوم"، التي يمولها رجل الأعمال اليهودي الأميركي شيلدون إديلسون، بدعمها المطلق لنتنياهو، وقالت الكثير من التقارير أن إديلسون يمولها بطلب من نتنياهو مقابل خدمات لم يكن يحلم بها من رئيس الحكومة الإسرائيلي.
ولم يكتف نتنياهو بهذه الصحيفة، التي تعتبر الأوسع انتشارًا في إسرائيل كونها توزع بالمجان، بل حاول الحصول على تغطية داعمة مماثلة من منافستها "يديعوت أحرونوت" التي يملكها رجل الأعمال أرنون (نوني) موزيس، وهذا محور الملف 2000.
إذ تشير تحقيقات الشرطة إلى أن نتنياهو فاوض موزيس حول الدفع بقانون يقلل عدد نشرات "يسرائيل هيوم" لتتفوق عليها "يديعوت أحرونوت" من ناحية العائدات المادية التي خسرتها، مقابل تغطية داعمة لنتنياهو في الصحيفة.
ويقلص القانون عدد الأعداد المطبوعة من صحيفة إديلسون، التي أثبت نتنياهو أكثر من مرة أنه يسيطر على محتواها، في نهاية الأسبوع، ما يصب بمصلحة صحيفة موزيس من ناحية العائدات المادية من الإعلانات.
وكذلك الحال كان في صحيفة "معاريف" حتى عام 2012، إذ تملكها رجل الأعمال روحي دانكنر، وتملكها بعده رجل الأعمال إيلي عزور، وكان دانكنر أحد المقربين من نير حيفتس، المعتقل حاليًا على خلفية تحقيقات الملف 4000، والذي تدور الشبهات حول تأثيره على موقع "واللا" لمنح نتنياهو تغطية داعمة مقابل امتيازات ومناقصات واهتمام بمصالح شركة "بيزك"، التي يسيطر رجل الأعمال شاؤول أولوفيتش، وهو معتقل كذلك على خلفية الملف 4000.
وقال موظفون في الصحيفة في حينه إن حيفتس حاول التأثير على المضامين كما فعل مع موقع "واللا"، الذي يملكه أولوفيتش كذلك.
المواقع الإلكترونية
يقع الموقعان الإلكترونيان الأكبر في إسرائيل، "واللا" و"واينت"، في صلب تحقيقات الفساد التي تدور حول نتنياهو، الأول في الملف 4000 والثاني في الملف 2000، إذ يملك أولوفيتش "واللا"، وهو الأكثر انتشارًا، ويملك موزيس "واينت"، وهو الذي يليه من ناحية الانتشار، وكذلك يعتبر الموقع الإلكتروني لمجموعة "يديعوت أحرونوت".
الصحافة المسموعة
لم يتجاهل نتنياهو المحطات الإذاعية كذلك، إذ عمل على السيطرة على إذاعى "ريشيت بيت" من خلال السيطرة على هيئة البث العام، وكذلك السيطرة على إذاعة الجيش عن طريق نقلها من ملكية الجيش إلى وزارة الأمن، وهناك يمكن زيادة التدخل السياسي فيها.
وفي عام 2016، اقترح فيلبر تأسيس لجنة تضم تحت جناحها كل وسائل الإعلام في إسرائيل، ويملك وزير الاتصالات (نتنياهو في حينه) صلاحية تعيين رئيس للجنة، لكت القانون لم يلق الدعم اللازم للمصادقة عليه في الكنيست.