تسارعت الأحداث بشكل دراماتيكي في الأيام الأخيرة على الساحة السورية، وطغى جو من الغموض والضبابية في تتالي الأحداث، ولكن المفاجأة الأكبر في كل ما جرى هي سقوط طائرة الـ (إف 16) الإسرائيلية بعد أن شنت هجمات على قواعد تدعي أنها مخازن أسلحة ومعسكرات إيرانية.
ولا يمكن لأحد القول إن إسقاط الطائرة الإسرائيلية وإن جاء على يد سلاح الجيش السوري إلا أنه من الصعب بالنسبة للنظام السوري اتخاذ قرار بهذا الحجم دون وجود (نعم) روسية.
أما لماذا وافقت روسيا هذه المرة على السماح بإسقاط الطائرة بشكل فاجأ الإسرائيليين، فهذا مرتبط بما تلقته روسيا من لطمات متتالية كان أولها الهجوم على قاعدة حميميم الروسية بعشر طائرات مسيَّرة لا يمكن لأي فصيل مَهما كان حجمُه وقوتُه أن يحوز مثل هذه الطائرات فضلاً عن تشغيلها في وقت واحد وإصابة أهدافها بدقة نتج عنه تدمير 5 طائرات، وسبق ذلك القصف الأميركي العنيف الذي طال رتلاً من الجيش السوري وأودى بحياة ما يزيد على مائة من الجنود السوريين عندما هاجمت القوات الأميركية رتلا عسكريا لـ «الحشد الشعبي السوري» الذي حاول الهجوم على مناطق تسيطر عليها قوات «سورية الديمقراطية» الحليفة لواشنطن شرق نهر الفرات.
وهذا ما أكدته مصادر روسية، موضحةً أن جنوداً روساً كانوا بين القتلى أيضاً، ما يدل على أن الصراع الأميركي الروسي في المنطقة بدأ بالتصاعد وانتقل من الخفاء إلى العلن ولو أنه جاء – لحد الآن - عن طريق وكلاء لكل من الطرفين.
إن إسقاط الطائرة الروسية المتطورة من طراز «سوخوي» والمعروفة بـ (الطائرة الدبابة) فوق منطقة تسيطر عليها فصائل معارضة على رأسها هيئة تحرير الشام، لم يكن ليحدث لولا وجود تدخل أميركي، يتمثل بإيصال نوعية صواريخ لأطراف معارضة أكد محللون عسكريون أنها ذات قدرات عالية وتُحمل على الكتف. وهذا ما يعيد إلى الأذهان ما قامت بها أميركا إبان احتلال الروس لأفغانستان عندما زودت «المجاهدين الأفغان» حينها بصواريخ «ستينغر» المحمولة على الكتف والتي كان لها أكبر الأثر في قلب ميزان المعركة لصالح المجاهدين، وبالتالي ساهم إلى حد كبير في انسحاب السوفييت من هناك.
وهذا الصراع الذي لم يتطور حتى الآن إلى الاشتباك المباشر وإنما كل طرف عبر حلفائه وجد تعبيراً له في تصريحات سياسية حملت اتهامات متبادلة بين الأميركان والروس، ربما تتطور إلى شكلها العسكري المباشر إذا ما استمر التصعيد بين الطرفين.
نستطيع القول وفق هذه المعطيات إن إسقاط الطائرة الإسرائيلية من نوع (إف 16) أميركية الصنع، والتي طالما افتخر بها سلاح الجو الإسرائيلي كانت رداً انتقامياً بموافقة من قبل الروس، وهي أيضا إحدى الرسائل التي تتطاير بين الأطراف المختلفة.
وقد فاجأ ذلك الإسرائيليين حد الصدمة، لكنهم فهموا الرسالة بأن الروس وإن كانوا يتفهمون حاجات إسرائيل الأمنية وغضوا أبصارهم عما يقوم به سلاح الجو الإسرائيلي بين فترة وأُخرى وفقا لتفاهمات معينة، إلا أنهم وبعد أن تلقوا لطمات متتالية أرادوا رد الاعتبار لأنفسهم والقول إنهم قادرون على الرد غير المباشر على واشنطن ولو كان بالنيل من حليفتها إسرائيل وبنفس الطريقة، وهي إسقاط فخر الصناعة العسكرية الأميركية الـ (إف 16).
وهنا يبرز السؤال أين دور النظام من كل ما يجري؟ أعتقد أن النظام السوري وفي غمرة امتلاء الساحة بالمتصارعين، وفي ظل وجود دول هو أصلاً مدين لها بحمايته من السقوط لم يعد يملك القرار فيما يتعلق بالرد على الانتهاكات الإسرائيلية، أما حليفتاه روسيا وإيران فإن الأولى ليست بوارد التضحية بتفاهماتها مع إسرائيل بشكل كامل، وإن سكوتها عن الرد (السوري) موجه لواشنطن أكثر منه لتل أبيب، ولو كانت روسيا حريصة على تفوق الجيش السوري وعلى عدم المس به كحليف وحريصة على احترام سيادة النظام واحترام قراراته، فما معنى التفاهمات بين نتنياهو وبوتين اللذين التقيا ما يزيد على تسع مرات منذ دخول روسيا إلى الأراضي السورية، والاتفاق على إطلاق يد إسرائيل والسماح بحركة طيرانها في السماء السورية؟
أما الثانية وهي إيران فقد وجدت نفسها أمام تحديات متنامية يتطلب منها عدم السكوت هذه المرة، خاصة وأن بعضاً من الضربات التي وُجهت كانت موجهة لمعسكرات وقواعد تتبع لها مباشرة، وسبق ذلك الكثير من الضربات ضد أرتال الشاحنات المحملة بالأسلحة والمتجهة إلى مخازن حزب الله.
إن النظام أصبح متكئاً بكليته على موسكو وطهران في استمرار وجوده وضمان بقائه، ولولاهما لانهار منذ أمد غير قريب، وهذا ما أكده مسؤولون في البلدين أكثر من مرة، أحدثها ما أدلى به مسؤول كبير في الحرس الثوري الإيراني قبل يومين من أن الأسد كان سيترك القصر لولا تدخل طهران، وبالتالي ما شاهدناه من قصف إسرائيلي وما استتبعه من إطلاق صواريخ وسقوط الطائرة الإسرائيلية هو ترجمة لصراع بين أطراف ليس النظام إلا آخر أركانها.