هل تغيرت قواعد الاشتباك الإسرائيلي ـ السوري؟ محمد ياغي

الجمعة 16 فبراير 2018 09:06 م / بتوقيت القدس +2GMT



ليست هذه هي المرة الأولى التي تتصدى فيها الدفاعات الجوية السورية للغارات الإسرائيلية على مواقعها العسكرية، ولكنها الأولى التي تعترف فيها إسرائيل بأن هذه الدفاعات تمكنت من إسقاط مقاتله لها، وإن نسبت ذلك لإيران. 
في السابق كان النظام السوري يقول إنه يحتفظ بحقه في الرد، لكن بعد نجاحه في تأمين نفسه من السقوط على أيدي الجماعات المتطرفة، أصبحت دفاعاته تتصدى لهذه الاعتداءات، وكانت بياناته العسكرية تدعي إسقاط صواريخ وإصابة طائرات حربية. 
الهجمات الإسرائيلية المتكررة على سورية جعلت الشعوب العربية لا تصدق البيانات السورية لأنها لو تمكنت فعلاً من إصابة طائرات في السابق لما تجرأت إسرائيل على تكرار هجماتها. 
هذه المرة خبر إسقاط المقاتلة الإسرائيلية لم يأت فقط من خلال بيان عسكري سوري ولكن بالصورة وباعتراف إسرائيل. 
الفرحة لم تكن سورية أو لبنانية أو فلسطينية، ولكنها كانت فرحة عربية شاملة. كل من يتابع تعليقات الجمهور على موقع «الجزيرة» مثلاً، والتي كانت وما زالت من خصوم النظام السوري، يجد أن الغالبية العظمى من التعليقات فيها تمجيد للجيش السوري ولمحور «المقاومة» الذي تمكن من «إذلال» إسرائيل. 
هذا يؤكد مركزية الصراع مع إسرائيل في الوجدان العربي وعُلوِه على كافة الصراعات الأخرى في المنطقة بما فيها الحروب الأهلية والصراعات الإقليمية. 
لكن الفرحة المشروعة والمفهومة شيء والحديث عن تغير في قواعد «اللعبة» مع إسرائيل شيء آخر. الأخير يحتاج إلى أكثر من إسقاط طائرة.
دعوني أوضح ما أقصد. في خضم النشوة أطل علينا العديد من المحللين السياسيين عبر الفضائيات العربية الموالية لمحور «المقاومة» للقول:
أولاً، إن زمن الامتناع عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية قد ولى إلى غير رجعة وإن كل اعتداء إسرائيلي سيتم الرد عليه فوراً حتى وإن ذهبت «الأمور» باتجاه حرب مفتوحه مع إسرائيل. 
ثانياً، أكد هؤلاء المحللون أن قواعد الصراع قد تغيرت وأن خطوطا حمراً جديده لإسرائيل قد رُسِمَتْ مفادها أن محور «المقاومة» سيذهب إلى أبعد مدى لمنع إسرائيل من تكرار اعتداءاتها حتى لو أدى ذلك إلى اشتعال حرب شاملة.
وثالثاً، أن محور «المقاومة» يعتبر أن أي اعتداء على أحد أضلاعه هو اعتداء على الجميع، وبالتالي فإن الرد سيكون جماعياً. 
لا شك بأن إسقاط الطائرة الإسرائيلية التي كانت تقتل الجنود السوريين هو إنجاز مهم ومن الضروري البناء عليه لمنع إسرائيل من تكرار اعتداءاتها، لكن هذا شيء مختلف عن الادعاءات الثلاثة التي ذكرها المحللون.
عندما تكرر إسرائيل عدوانها، الدفاعات السورية ستعمل من جديد. لكن هل ستتمكن من إسقاط مقاتلات جديدة؟ الإسرائيليون يدعون أن سقوطها جاء لأنها حلقت على ارتفاعات تعرضها للإصابة للصواريخ وأنها لو حلقت على ارتفاعات أعلى لما تمكنت الصواريخ السورية منها. بالطبع قد يكون كل ذلك كذباً. 
ما هو مهم في حديث السوريين أن الحديث عن الرد يدور عن تشغيل الدفاعات المضادة للطائرات وليس عن الرد على الاعتداءات. بمعنى إذا قصفوا «لنا» موقعا عسكريا، سنقوم بقصف موقع عسكري لهم. 
تشغيل الدفاعات ليس رداً لأنه أقل ما يمكن عمله، وهو ما تفعله القوات السورية الآن. 
وقف الاعتداءات يتطلب جرأة أعلى. هل يمتلك النظام السوري هذه الجرأة؟ وإذا امتلكها، هل يمكنه الرد إذا قال الروس له: لا تقوموا بالتصعيد؟ هل يمكنه المجازفة بخسارة الحليف الروسي؟
المسألة معقدة ولا أعتقد بأن النظام السوري أو حلفاءه في وارد المجازفة بالقيام بردود قد تشعل حرباً شاملة لا يريدونها الآن على الأقل.
إذا كان الرد «الهجومي» وليس «الدفاعي» غير وارد، هل يمكن رسم خطوط حمر لإسرائيل تمنعها من الاعتداء على سورية؟ 
هذا يتوقف بالطبع على القدرات الدفاعية السورية. الصواريخ التي أسقطت المقاتلة الإسرائيلية من صناعة ثمانينيات القرن الماضي. 
سورية لا تمتلك الصواريخ الروسية المتقدمة الموجودة على أرضها. الروس هم من يقومون بتشغيلها. وبالتالي إذا أراد الروس منع إسرائيل من الاعتداء على سورية فإن عليهم تزويد دمشق بالصواريخ القادرة على إسقاط الطائرات الحربية الإسرائيلية. 
روسيا قالت إنها لا تمانع في بيع صواريخها المتقدمة للولايات المتحدة أو لدول عربية خليجية، لأن هذه الصواريخ دفاعية وليست هجومية، وبالتالي ما الذي يمنعها من تزويد دمشق بها لحماية أراضيها.
في غياب الأسلحة الدفاعية المتقدمة لدى سورية، ستكرر إسرائيل اعتداءاتها بلا شك، والخطوط الحمر الجديدة التي يتم الحديث عنها لن يكون بالإمكان رسمها إلا برد هجومي أو بتكرار ما جرى الأسبوع الماضي، بمعنى أن تنجح الدفاعات السورية بإسقاط طائرات جديدة لإسرائيل إلى أن تدرك الأخيرة أن ما جرى لم يكن محض صدفة أو خطأ في طريقة تشغيل الطائرة. 
دعونا نتذكر أن قواعد الاشتباك الإسرائيلي مع «حزب الله» لم تتغير إلا بعد أن تمكن الأخير من إذلال إسرائيل في حرب العام 2006. 
القواعد الجديدة للاشتباك بعد الحرب، لم تشتمل على منع إسرائيل من الاعتداء على الأجواء اللبنانية ومياهها الإقليمية، ولكنها اشتملت فقط على عدم تنفيذ اعتداءات على الأراضي اللبنانية.  
أخيراً هناك مبالغة في الحديث عن أي اعتداء على ضلع من أضلاع محور «المقاومة» سيجابه برد من جميع الأضلاع. 
هنالك وحدة بلا شك نجدها في سورية ونجدها في التنسيق بين «حماس» و»حزب الله» وإيران، لكن هذا التنسيق لا يعني أن «حزب الله» سيعلن الحرب على إسرائيل إذا هاجمت إسرائيل غزة، أو أن «حماس» ستقوم بنفس الشيء إذا تمت مهاجمة «حزب الله.» 
السبب في ذلك يعود إلى أن كلاً من «حزب الله» و»حماس»، مضافاً لهما بالطبع سورية وإيران، لهم حسابات خاصة.
حزب الله أكثر التصاقاً بالمعادلة اللبنانية، وهو لا يستطيع أن يجر لبنان إلى حرب بسبب غزة، لأن هذا سيضعف جبهته الداخلية. 
هو أكثر استعداداً لحرب مع إسرائيل دفاعاً عن لبنان لأن هذا يعزز مواقعه الداخلية ولا يضعفها. 
حماس أيضاً لا تستطيع الزج بأهل غزه في حرب من أجل «حزب الله» لأن هذا يعني تحميل الناس في غزة ما لا طاقة لهم به، وهو بالتالي يضعف من رصيدها الشعبي. 
مع ذلك وحدة أضلاع محور «المقاومة» في الحرب ممكنة، إذا كان الهدف تحرير الجولان، واستعادة مزارع شبعا وكل الأراضي اللبنانية التي ما زالت تحتلها إسرائيل، وفرض واقع على إسرائيل يجبرها على الانسحاب من الضفة الغربية بما فيها القدس العربية وفك الحصار عن غزة. لكن الواقع أمامنا يشي بأننا ما زلنا بعيدين عن هذا الهدف.