ما هو المطلوب.. يا عالم؟ مهند عبد الحميد

الثلاثاء 13 فبراير 2018 12:00 م / بتوقيت القدس +2GMT
 ما هو المطلوب.. يا عالم؟    مهند عبد الحميد



الاستباحة الإسرائيلية للحقوق الوطنية والمدنية والإنسانية الفلسطينية تحولت إلى فعل دائم متوحش، وقد ازدادت شراسة بعد قرار ترامب الذي شطب مدينة القدس، وشطب معها العملية السياسية وحل "الدولتين" من الناحية العملية. حصيلة الاستباحة الإسرائيلية خلال 5 أسابيع، حتى نهاية 2/7، تقدم الدليل على سيادة شريعة الغاب وغطرسة الدولة الاستعمارية المنفلتة من أي رقابة ومساءلة. فخلال تلك الفترة، حصدت آلة البطش الإسرائيلية 11 شهيداً وتواصل احتجاز جثامين 16 شهيداً في أبشع تجلٍ للبطش، وهناك 450 إصابة متنوعة، و623 حالة اعتقال، وأكثر من 100 قرار بالحبس الإداري التعسفي، وإعداد ونقاش 3 مشاريع لقوانين عنصرية (قانون بإعدام الأسرى، وقانون بمصادرة أموال أسر الأسرى والشهداء، وقانون حظر الإفراج عن الأسرى مقابل جثث جنود)، و62 انتهاكاً ضد الإعلاميين، والمصادقة على إنشاء طرق استيطانية، وقرار بإضافة مئات الوحدات السكنية واعتماد بؤرة جديدة. وغير ذلك من اعتداءات المستوطنين والخسائر المادية التي ألحقت بالممتلكات الفلسطينية. 

ثلاثة مشاهد للبطش الإسرائيلي لها مغزى عميق، تضاف لمسلسل معاناة ومقاومة شعب يرزح تحت نير احتلال لا يرحم. المشهد الأول، الفتاة عهد التميمي (16 عاماً) التي صفعت جندياً يحتل بلدها وينتهك حرمة المكان قرب منزلها في قرية النبي صالح. تحولت "صفعة" عهد الطفلة إلى قضية كبرى هزت جنرالات وجنوداً وسياسيين وإعلاميين وقضاة إسرائيل، ولا تزال قضية عهد تتفاعل داخل المؤسسة الأمنية وخارجها. ويلاحظ من تمديد المحاكمة أسبوعاً تلو آخر، أن هدف المؤسسة هو كسر رمزية "عهد" الفتاة الشجاعة الواثقة بنفسها التي جلبت إعجاباً وتضامناً شعبياً في فلسطين وفي العالم. وفات المحتلون حقيقة أن كسر الرمزية والسعي للانتقام بهذه الطريقة المتعجرفة أدى ويؤدي إلى نتائج عكسية. وبهذا خسر الاحتلال وفازت عهد كنموذج لنضال جيل جديد من الشعب الفلسطيني. 
المشهد الثاني، 23 جندياً مدججاً بالسلاح يقتادون الفتى فوزي الجنيدي (16 عاماً) وهو معصوب العينين ومقيد اليدين، وحافي القدمين ويوسعونه ضرباً وركلاً. إنه ميزان القوى" المخزي" والفاضح الذي يطيب للمحتلين استعراضه لترهيب الجيل الفلسطيني الجديد. لا يوجد للجنود عدو آخر، ولا مكان يحاربون فيه أو يجربون فيه قدراتهم القتالية غير فوزي وأمثاله من فتية وأطفال فلسطين، مخالفين بذلك مقولة حكيم صيني: إذا ذهبت وأنت مدجج بالسلاح إلى الحرب ووجدت عدوك بلا سلاح، فلا تحاربه وعُد من حيث أتيت. على العكس من تلك الحكمة الأخلاقية يتصرف الجنود الإسرائيليون الذين يفضلون خوض معاركهم مع فتية وأطفال، كما حدث في مشهد ترهيب الطفل فوزي وكما حدث مع قتل هديل عواد (14 عاماً) بأسلوب وحشي.. إفراغ مخزن البندقية في جسدها الغض؛ لأنها تحمل مقصاً تهدد به" أمن شارع" في مدينة القدس. 
المشهد الثالث معركة أحمد جرار (23 عاماً) التي كان طرفها مناضل صلب شجاع قاوم المحتلين حتى لحظة استشهاده. وطرفها الآخر وزير دفاع وجنرالات ووحدات مقاتلة وجهاز استخبارات وبنوك معلومات وكاميرات مراقبة ومتعاونون، وقيادة سياسية من أعلى الهرم (نتنياهو) ووزراء وجهاز الدعاية والإعلام. كل هؤلاء خاضوا حرباً لمدة شهر ضد مقاوم شاب. أرادوا في هذه "المعركة" المضخمة كما في مرات سابقة، أن يجتثوا كل من يحاول مقاومتهم بالسلاح ويزيلوا رمزيتهم من أذهان الجيل الجديد. أحمد جزء من ظاهرة مقاومين، بعضهم ينتمي إلى خلايا منظمة وأكثرهم من المبادرين الأفراد الذين قرروا مقاومة المحتلين على عاتقهم. وإذا كان الاضطهاد والإذلال والقمع والتجويع والتمييز وسلب الموارد، وكل ما يجسده الاحتلال والاستيطان، هو الذي يولد ويعيد توليد المقاومة والعنف بأشكال قديمة معروفة وبأشكال جديدة، وإذا ما نجحت بنوك المعلومات في رصد ومعرفة أجيال مارسوا النضال، فإن مقاومين من أجيال جديدة يتقدمون الصفوف ويحدثون المفاجأة. فالحرية كما الحقوق لا تسقط بالتقادم. والعنف الذي ينتجه الاحتلال ينتج عنفاً من نوع آخر (مقاومة) ولا يمكن أن ينتج عبودية. 
إنه صراع الشعب الفلسطيني مع هذا النوع مع الاستيطان الكولونيالي شديد التعقيد. فهذه الدولة ترفض أن تعرّف نفسها بلغة العصر وبقوانينه كدولة مستعمرة محتلة. وترفض أن تعرّف الشعب الذي تحتله بلغة العصر أيضاً حركة تحرر. فلا هو استعمار واحتلال ولا الشعب الفلسطيني حركة تحرر ومقاومة. ولا هو يعترف ويلتزم بالقانون والمواثيق (ميثاق الأمم المتحدة) بل يلتزم بالميثولوجيا الدينية. ولا يسمح للشعب الفلسطيني أن يستخدم ويلتزم بالقانون والمواثيق. وفي التطبيق، "فإن كل طفل فلسطيني هو مشروع مخرب محتمل"، "مبدأ" تستند إليه النيابة العسكرية في محاكمة الأطفال، وبالطبع لا تحتكم إلى بنود وثيقة حقوق الطفل للأمم المتحدة. وهذا ما يفسر الوحشية في قتل الطفلة هديل عواد ويفسر انتهاك أبسط حقوق عهد التميمي وفوزي الجنيدي. وفي التطبيق أيضاً فإن كل شاب فلسطيني متهم بالإرهاب ما لم يثبت العكس. كل مناضل ومقاوم من أجل الحرية هو إرهابي معرض للقتل خارج القانون. وهذا يفسر حرب تدمير الوجود الفلسطيني المسلح في الخارج (حرب 82) ويفسر الحرب المفتوحة لاستئصالهم في الداخل، يستوي في ذلك الملتزمون بقواعد القانون في مقاومة المحتلين – كعدم المس بالمدنيين وبأهداف مدنية- والذين لم يلتزموا.
وإذا كانت المقاومة المسلحة المشروعة غير معترف بها من قبل دولة الاحتلال، فإن النضال السلمي الشعبي غير معترف به ولا يعتبر مشروعاً، ويعاقب ممارسوه بأشد العقوبات منذ بدايات الاحتلال، مروراً بالانتفاضة الوطنية الكبرى وحتى اليوم. يضاف إلى قائمة المحرمات والممنوعات الإسرائيلية (المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات على الدولة المحتلة)، الذي تمارسه الـ "بي دي أس". هذا الشكل النضالي السلمي يتعرض أصحابه إلى المنع والقمع والعقوبات وهو يعد من أخطر التهديدات التي تتعرض لها دولة الاحتلال من وجهة نظرها. الانضمام للمنظمات الدولية (24 منظمة) يعد تهديداً للدولة المحتلة وغير مسموح به، وإذا ما حدث فإن دولة الاحتلال ومعها إدارة ترامب تعاقب المنظمات التي قبلت فلسطين عضواً. 
كل شيء مرفوض أو غير مقبول، ويندرج في إطار الأعمال العدائية ضد إسرائيل. الشيء الوحيد المطلوب هو الخنوع والاستسلام لنظام يضم أسياداً يملكون كل شيء، وعبيداً لا يملكون شيئاً. هذا هو المستحيل قبوله من شعب يقاوم منذ أكثر من قرن. فما هو المطلوب يا عالم؟
Mohanned_t@yahoo.com