"روسيا منحت الضوء الأخضر للنظام السوري لإسقاط الطائرة الإسرائيلية" هذا ما تحدث به المحلل الإستراتيجي الروسي فاتشسيلاف ماتزوف أمس السبت للجزيرة، وتلاه محللون إيرانيون وإسرائيليون ذهبوا لذات النتيجة.
وخلاصة حديث ماتزوف لبرنامج "ما وراء الخبر" أن موسكو استخدمت إسقاط الطائرة الإسرائيلية كصندوق بريد وجهت من خلاله رسالة للولايات المتحدة التي قال إنها غيرت قواعد اللعبة في سوريا، عبر تمريرها صواريخ مضادة للطائرات لمن وصفهم "الإرهابيين" الذين تمكنوا من إسقاط طائرة سوخوي 25 فوق إدلب الأسبوع الماضي.
وزاد المحلل الروسي بأن موسكو منزعجة من الغارة الأميركية على "الحشد الشعبي السوري" في دير الزور قبل أيام والذي أسقط نحو مئة قتيل، مشيرا إلى معلومات غير رسمية عن وجود جنود روس بين القتلى.
وبرأيه فإن "روسيا منحت إسرائيل الضوء الأخضر لتنفيذ غارات داخل سوريا خلال الأعوام الماضية" وبعثت برسالة مفادها أن هذه المعادلة تغيرت.
معادلات جديدة
والحديث عن المعادلات التي تغيرت تأريخا من حادث إسقاط طائرة أف 16 الإسرائيلية، ورد أمس السبت على لسان مسؤولين إيرانيين وسوريين، كما جاء في بيان حزب الله اللبناني -الحاضر الغائب في كل ما جرى أمس- والذي قال إن المعادلات السابقة سقطت.
الخبير الإيراني في القضايا الإقليمية حسين ريوران أيد في حديث للجزيرة ما ذهب إليه المتحدث الروسي، وقال إنطهران أكدت أن من أسقط الطائرة الإسرائيلية هو النظام السوري، إلا أنه "لا يمكن القول إن النظام أرسل هذه الرسالة دون التنسيق مع إيران، وإن الاثنين لا يمكن أن يقوما بذلك دون التنسيق مع روسيا".
ورأى في حديث للجزيرة أن روسيا أرادت تغيير التفاهمات القديمة بينها وبين إسرائيل، عبر توجيه رسالة قوية في إطار فرض معادلات وتفاهمات جديدة.
وتابع "إسرائيل حاولت أن تملي إرادتها خلال السنوات الماضية على سوريا، خاصة في المنطقة الجنوبية، وما تغير أن هذه المعادلة انتهت، وإيران تدعم النظام السوري في تغيير هذه المعادلة لوقف الاستباحة الإسرائيلية لأجواء بلاده".
القرار بيد بوتين
محللون إسرائيليون أشاروا إلى قناعة تل أبيب بأن لا شيء يحدث في سوريا دون علم حليفتها روسيا، وهنا تحدث المحلل السياسي الإسرائيلي الحنان ميلر عن أن نتنياهو سارع للاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمنع التصعيد "لأن إسرائيل تعلم أن من يمتلك القرارات الإستراتيجية في سوريا هو بوتين".
ولا يخفي ميلر أن إسرائيل وضعت خطوطا حمراء واضحة في سوريا، وقال للجزيرة "التموضع الإيراني على الحدود الإسرائيلية هو الأخطر بالنسبة لإسرائيل، التي أعلنت خطوطها الحمراء المتمثلة في منع الوجود الإيراني على حدودها الشمالية، ومنع تمرير الأسلحة الإستراتيجية لحزب الله في لبنان".
لكن المحلل الإسرائيلي اعتبر إسقاط الطائرة الإسرائيلية وإرسال الطائرة بدون طيار الإيرانية كانا "اختبارا لهذه الخطوط الحمراء" التي قال إن شغل إسرائيل الشاغل سيكون تثبيتها عبر اتصالات بوتين ونتنياهو.
ووسط البحث عن الخطوط الحمراء والأضواء الخضراء فيما جرى في جنوب سوريا وشمال إسرائيل السبت، يرى المحلل العسكري رياض كريشان أن السؤال الذي يحتاج للإجابة يتمثل في نوع الصاروخ الذي أسقط الطائرة الإسرائيلية.
ولفت في حديث للجزيرة إلى أن إسقاط الطائرة بصاروخ أس 200 لن يكون حدثا كبيرا، كونها صواريخ يمتلكها الجيش السوري، لكن الحديث عن تغير إستراتيجي سيكون في حال الكشف أن الإسقاط تم بصواريخ أس 300 أو أس 400المتطورة جدا والتي لا يملكها النظام السوري وإنما حليفته إيران، ومن ورائهما روسيا صاحبة تكنولوجيا هذه الصواريخ.
قواعد الاشتباك
كريشان قال إن أي حديث عن تغيرات إستراتيجية في المشهد الإقليمي يحتاج لوقت، فيما يبدو أن هناك تغيرا في قواعد الاشتباك التي كانت قد تفاهمت عليها روسيا وإسرائيل.
ويرى المحلل العسكري أن نتنياهو الذي زار موسكو تسع مرات منذ دخول روسيا لسوريا عام 2015 وحصل على حرية حركة لطائراته فوق سوريا سيحرص على الحصول على إجابة واضحة من بوتين إن كانت التفاهمات السرية بينهما لا تزال سارية المفعول.
وترجيحا لنظرية "صندوق البريد" تساءل كريشان عن سبب غياب الدفاعات الجوية التي أسقطت الطائرة الإسرائيلية عن اعتراض الطائرات التي أغارت على أهداف سورية عدة بعد الغارة.
ورجح أن يكون هناك دور لروسيا في عدم تكرار حادث إسقاط الطائرة عبر منع استخدام منظومات الدفاع الجوي الروسية مرة ثانية.
ويذهب كريشان أيضا للتأكيد أن التغير الأبرز الذي جرى السبت تمثل في تطوير قدرات الدفاع الجوي السورية بحيث تحد من حرية الحركة التي كانت تتمتع بها الطائرات الإسرائيلية، وهو ما يعني أن "إستراتيجية الردع تغيرت بالنسبة لإسرائيل وسوريا".