أوجه الدعم الأميركي للفلسطينيين وسياسة الابتزاز المالي ...فتحي كليب

السبت 10 فبراير 2018 10:36 ص / بتوقيت القدس +2GMT



تعتبر المساعدات المالية إحدى المرتكزات الأساسية للسياسة الخارجية الاميركية التي تعتمد عليها في تعاطيها مع الدول الفقيرة في العالم. وقد برز ذلك بشكل واضح في الجمعية العامة للامم المتحدة قبل وبعد التصويت على مشروع قرار الرئيس الاميركي بشأن القدس والتهديد العلني والصريح من مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي بأن الولايات المتحدة ستقطع التمويل عن جميع الدول التي ستصوت ضد القرار، وهذا أيضا ما عبر عنه الرئيس الأميركي بتغريدته الشهيرة «واشنطن تعطي الفلسطينيين مئات الملايين من الدولارات سنوياً ولا تنال أي تقديير أو احترام، هم لا يريدون حتى التفاوض على اتفاقية سلام طال تأخرها مع إسرائيل».
ولم يكن قرار الإدارة الاميرية بتخفيض مساهمتها في موازنة وكالة الغوث وليد ساعته كرد فعل على رفض الشعب الفلسطيني والعالم لقرار الرئيس الأميركي وتوجيه صفعة قوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وقبلها في مجلس الامن، بل كان هذا الاجراء جزءاً من سياسة ممنهجة تسير عليها الخارجية الاميركية والبيت الأبيض اللذان كانا يختاران التوقيت المناسب للإعلان. ويمكن رؤية هذا الاستنتاج في العديد من القوانين والقرارات التي سنها واتخذها الكونغرس الأميركي منذ العام 2013 وحتى اليوم، حيث تم إقرار عدد من القوانين التي اتكأ عليها الرئيس الأميركي لتبرير سياسته واجراءاته ضد الفلسطينيين. 
- عام 2012 اقر مجلس النواب الأميركي بالإجماع قانون «تعديل تمويل المساعدات الخارجية» بإلزام وزارة الخارجية بالإبلاغ عن عدد الذين يستحقون المساعدات من إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين يتلقون مساعدات من وكالة الغوث. وكان الهدف من هذا القانون هو خفض حجم المساعدة الأميركية للأونروا بذريعة عدم حيادية الوكالة وتحولها الى منصة للتحريض على إسرائيل وعلى العنف ضدها..
- عام 2016 اقر مجلس النواب الأميركي قانون «تايلور فورس» المتعلق بتقليص حجم المساعدات الأميركية الى السلطة. 
- في منتصف عام 2017 دعا رئيس وزراء اسرائيل بشكل علني ولأول مرة منذ العام 1948 الى حل وكالة الغوث وتحويل قضايا اللاجئين الفلسطينيين الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
- افشال نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة (الاسرائيلي) بالتعاون مع المندوبة الاميركية لمساعي الأمين العام بادراج قضية «التمويل المستدام لموازنة وكالة الغوث» على جدول اعمال الدورة (72) للجمعية العامة.
لقد جاء استهداف وكالة الغوث في إطار مشروع سياسي يشكل مروحة سياسية بالنسبة للولايات المتحدة تتوزع على قضايا كثيرة يقع في مقدمتها قضايا: القدس، حق العودة من زاوية وكالة الغوث، الاستيطان، الترتيبات النهائية والحدود، وهي القضايا المعروفة باسم «قضايا الوضع النهائي». وبهدف رسم واقع جديد يجبر الشعب الفلسطيني على تقديم تنازلات تؤدي الى فتح الآفاق لتسوية تضمن المصالح الإسرائيلية.
ويمكن تقسيم قنوات الدعم المالي الاميركي المقدمة الى الشعب الفلسطيني الى ثلاث فئات:
* الاولى هي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) التي تأسست وفقاً لقانون اقره الكونغرس عام 1961 وعرف باسم «قانون المساعدات الخارجية لعام 1961». وتعتبر هذه الوكالة الذراع المالي الذي تمارس من خلاله وزارة الخارجية ضغوطها على العديد من دول العالم خاصة وانها تقدم مساعدات لعشرات الدول ومنظمات المجتمع المدني، وهي تخضع لاشراف مباشر من الرئيس ومن وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي وتعمل على تنفيذ برامجها وفقا لسياسات وتوجهات وزارة الخارجية.
* الثانية هي الدعم الذي يقدم للنظام السياسي للسلطة الفلسطينية تحت عناوين «الدعم الاقتصادي للقانون والنظام». قسم بسيط من هذه المساعدات يدخل خزينة السلطة والباقي يتم انفاقه على تطوير برامج لها علاقة بالامن والقانون و»مكافحة الارهاب» وبرامج التدريب والنفقات الادارية واللوجستية لقوات أمن السلطة الفلسطينية والشرطة، وتدريب القضاء والمحامين. وغير ذلك من البرامج المحددة في القانون الاميركي للمساعدات الخارجية.. وقد بلغت موازنة هذه الفئة في العام (2016) وفقا لما ذكرته القنصلية الاميركية في القدس (55) مليون دولار. 
* الفئة الثالثة موازنة الاونروا بأقسامها الثلاثة: الصندوق العام، المشاريع والطوارئ.
ووفقاً للقنصلية الاميركية في القدس، فإن الولايات المتحدة قدمت للفلسطينيين منذ العام 1994 مساعدات بأكثر من(5.2) مليار دولار.
غير ان المساعدات الاميركية المقدمة إلى السلطة الفلسطينية شهدت خلال العام الأول من عهد الرئيس ترامب تراجعا كبيرا ووصلت إلى أدنى مستوياتها منذ آخر 10 سنوات. ووفقا لـ (USAID) ولمعطيات وزارة الخارجية الاميركية، فإن ما قدم لاسرائيل خلال عامين، يعادل ما قدم الى السلطة الفلسطينية طيلة 23 عاماً، إذ إن قيمة هذه المساعدات للسلطة الفلسطينية منذ التوقيع على اتفاق اوسلو بلغت (8) مليارات دولار، فيما وصلت قيمة المساعدات المقدمة لإسرائيل خلال العامين الأخيرين (8) مليارات دولار. مقارنة مع (130) مليار دولار هي إجمالي المعونات الاقتصادية الأميركية المقدمة إلى إسرائيل منذ عام 1949. زد عليها تعهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بتقديم مساعدات عسكرية إلى إسرائيل بقيمة 38 مليار دولار، للفترة الممتدة بين عامي 2019 و2028. 
أما بشأن المساهمات الاميركية في الموازنة العامة لوكالة الغوث، فلا بد من التعرف على أبواب الموازنة العامة للوكالة التي تتوزع على ثلاثة اجزاء: 
الجزء الأول هو الموازنة العادية المخصصة لتمويل الأنشطة العادية للأونروا وهي قضايا: التعليم، الصحة والخدمات الاجتماعية والإغاثة، وهو ما يطلق عليه عادة «موازنة الصندوق العام» او «الموازنة العادية».
الجزء الثاني هو موازنة المشاريع الخاصة بأعمال البنية التحتية وإنشاء المدارس والمراكز والعيادات الصحية وتنفيذ مشاريع الصرف الصحي. وهذه الموازنة منفصلة عن موازنة الصندوق العام. 
الجزء الثالث هو موازنة نداءات الطوارئ، وهي لم تكن موجودة عند تأسيس الأونروا، لكنها استجدت واستحدثت بفعل تطور الأحداث، كالحروب وتداعياتها. وبدورها تتوزع هذه الموازنة على ثلاثة أقسام: توزيع المساعدات الغذائية، بناء المنازل المدمرة كلياً أو جزئياً، وخلق فرص عمل.
هذه الأجزاء الثلاثة تشكل مجتمعة الموازنة الاجمالية لوكالة الغوث التي بلغت ارقامها لعام (2017) حوالي (1.5) مليار دولار أميركي منها (760) مليون دولار لموازنة الصندوق العام والباقي موزع على موازنتي المشاريع والطوارئ.
وتتوزع موازنة الطوارئ بدورها على أربعة اقسام هي: برنامج المساكن في قطاع غزه، اعمار مخيم نهر البارد، نداء الطوارئ للأراضي الفلسطينية المحتلة والنداء الطارئ لتداعيات الازمة السورية، وهذه الموازنات ترصد لها موازنات اجمالية وأخرى سنوية ومنفصلة عن موازنات الصندوق العام والمشاريع. 
ووفقاً لجدول وزعته القنصلية الأميركية في القدس، بلغت مساهمات الولايات المتحدة في الموازنة الاجمالية لوكالة الغوث لعام 2017 نحو 365 مليون دولار. 
الجدول  يبين ان نسبة مساهمة الولايات المتحدة في الصندوق العام لا تزيد على 17 بالمائة من موازنة عام 2017 البالغة (760) مليون دولار ولا تزيد على 25 بالمائة من الموازنة الاجمالية، وان التهديد الأميركي يستهدف موازنة الصندوق العام أي خدمات التعليم والصحة والإغاثة.. هنا تبرز خطورة وتداعيات القرار الأميركي الذي من شأنه زيادة نسبة العجز في موازنة الصندوق العام التي كانت تتراوح قبل القرار الأميركي بين 48 و 49 مليون دولار، فيما العجز اليوم يزيد على (179) مليون دولار اذا تم قطع المبلغ بأكمله.. وبالتالي يتحول العجز مركباً. وهناك فارق بين عجز سنوي هو عبارة عن زيادة في النفقات وتخلف في الإيرادات ويمكن احتواؤه في سنوات لاحقة، وبين عجز مركب لا يمكن بالتالي لأية تدابير تقشفية أن تسد ولو قسماً بسيطاً منه طالما أنه أصبح جزءاً عضوياً من الموازنة العامة. 
وفي وقت لاحق، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة لن تقدم مساعدات غذائية قيمتها 45 مليون دولار كانت تعهدت بتقديمها لوكالة الغوث في وقت سابق، في إطار برنامج النداء الطارئ للأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا المبلغ يضاف الى مبلغ آخر كانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعلنت أنها ستعلقه بقيمة (130) ثم (65) مليون دولار، لتصبح القيمة الاجمالية للمبلغ المقتطع نحو 110 ملايين دولار. ومن المتوقع ان تكون هناك اقتطاعات اخرى من برامج نداءات الطوارئ المخصصة لقطاع غزة ومخيمات سورية ومخيم نهر البارد، اي أن هناك جريمة جماعية تنوي الولايات المتحدة ارتكابها بحق اللاجئين الفلسطينيين.. وهو عقاب جماعي تتحمل تداعياته الولايات المتحدة بشخص رئيسها ووزير خارجيتها ومندوبتها نيكي هايلي في الامم المتحدة والمندوب الإسرائيلي والمسؤولين الإسرائيليين الذين حرضوا وما زالوا يحرضون ضد وكالة الغوث والوظيفة الاجتماعية والاغاثية التي تقوم بها. 
إن الولايات المتحدة تعتمد أسلوب التخفيض الممنهج بشكل تدريجي وهي حكماً تضع برنامجاً وقائمة بالقطاعات التي تنوي استهدافها بحيث يمكن القول الآن بأن ما كان يعلن سابقاً من قبل اللاجئين أن هناك استهدافاً مباشراً لوكالة الغوث اصبح اليوم حقيقةً أمام الجميع، تترجمها سياسة الابتزاز المالي من قبل الولايات المتحدة التي تشترط الموافقة المسبقة على مشاريعها التصفوية للقضية الفلسطينية، وإلا فحرب التجويع والتجهيل والمستقبل المجهول وعظائم الامور بانتظار اللاجئين الفلسطينيين. 
ان بعض مسؤولي وكالة الغوث في تعاطيهم مع مشاكل العجز المالي عادة ما يلجؤون الى الخيارات الاسهل وهي تخفيض الخدمات التي تمس حقوق اللاجئين. بينما المطلوب هو ضرورة تحلي هؤلاء المسؤولين بالشجاعة في معالجتهم للازمة المالية برفض سياسات الاملاء التي تسعى الادارة الاميركية الى فرضها على وكالة الغوث كأمر، وعبر معالجات جدية وجذرية لهذه المشكلة ومن خلال ثلاثة خطوط متوازية: الاول حث المجتمع الدولي والدول المانحة بخاصة الى زيادة مساهماتها المالية بما يسد ثغرة تقليص الولايات المتحدة لمساهماتها، والثاني إعادة بحث مسألة التمويل المستدام لموازنة الأونروا بتخصيص موازنة ثابتة من موازنة الامم المتحدة.. والثالث دعوة الدول العربية والاسلامية الى زيادة مساهماتها المالية في صندوقي المشاريع ونداءات الطوارئ المختلفة.. هذا إضافة الى ضرورة ترشيد النفقات وصرف الأموال في المكان الصحيح في إطار سياسة واضحة شفافة ومعلنة في صالح اللاجئين.

*عضو اللجنة المركزية  للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين