الأوضاع المأساوية في غزة وصلت ذروتها، فقر ومرض وحصار وبطالة وانهيار في مختلف المجالات.
خلال اليومين الماضيين، فقط كنا نشاهد مجموعة من التظاهرات والوقفات الاحتجاجية.. تظاهرة للخريجين المتعطلين عن العمل والذين بدؤوا تصعيد إجراءاتهم وصولاً إلى تهديدهم باقتحام حدود «الخط الأخضر». فلا شيء يخسرونه. وفي الوقت نفسه، تظاهرات لمجموعات من ذوي الإعاقة والمرضى في أكثر من مكان في قطاع غزة، وخاصة قرب معبر بيت حانون للمطالبة بالسماح لهم بالعلاج.
في الإطار نفسه، كانت هناك وقفات مناهضة لقرار الرئيس الأميركي وقف جزء من المساعدات المالية المقدمة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» بهدف الدفع بهذه الهيئة الأممية التي تُعنى بشؤون من هُجِّروا من أراضيهم في العام 1948، إلى الانهيار. هذه الهيئة التي تقدم المساعدات المالية والخدمات الأساسية للاجئين، لا تهدف لإبقاء قضيتهم حيةً كما يدعي الإسرائيليون، وإنما لشراء صمت اللاجئين ومنع ثورتهم. لكنهم الآن يريدون وضعها على المقصلة.
يؤكد اللاجئون في أحاديثهم الخاصة أن واشنطن وتل أبيب إذا ما قررتا اغتيال وكالة الغوث فإن البديل هو المسيرات الجماهيرية نحو قراهم المهجّرة والمدمّرة، هذا هو الحل، ما يعني تصعيداً آخر.
في غزة، القطاع الخاص بدأ تحركات احتجاجية يوم الثلاثاء الماضي بوقف التنسيق لإدخال البضائع عبر معبر كرم أبو سالم، وهذا الأسبوع سيتم وقف إدخال البضائع يومي الأربعاء والخميس.
القطاع الخاص خلال العقد الأخير شبه مدمر، ثلاث حروب عدوانية وحصار مستمر أغلق أكثر من 90% من المصانع والمشاغل، والتعويضات التي قدمت لهذا القطاع لا تتجاوز 15% من حجم الخسائر التي تكبدها.. رجال أعمال أفلسوا، وعمالة مهرة أصبحت متعطلة.
القطاع الزراعي يعاني من سياسات عدوانية إسرائيلية تبدأ بعمليات التجريف وقطع الأشجار وتدمير الحقول الزراعية ولا تنتهي بعمليات الرش الجوية التي تبيد ما تبقى من مزروعات في الأراضي الخصبة.
الصيادون ينهشهم الفقر، فلا منطقة محددة لهم، يتعرضون يومياً للاعتداءات الإسرائيلية من قتل وإصابة ومصادرة مراكبهم وإغراقها في كثير من الأحيان. أعدادهم انخفضت بشكل كبير، والباقون مجبرون على العمل في ظروف جهنمية في محاولة لسد رمق عيش أسرهم.
قطاع الكهرباء ما زال يعاني، وسكان القطاع جربوا مختلف البدائل، حاولوا الابتكار للحيلولة دون الرجوع إلى العصور الوسطى، يحلمون بإضاءة المنازل، وليس ـ لا سمح الله ـ للتدفئة أو التكييف. يصل التيار أربع ساعات أو أقل إلى منازل قطاع غزة، وهذا غير موجود في العالم كله.
المرضى ومن بينهم المصابون بأمراض مزمنة غير قادرين على تلقي العلاج غير المتوافر أصلاً في القطاع، ولا يسمح لهم بالخروج من قطاع غزة، وإن خرج بعضهم فإن المساومات والضغوط عليهم من مخابرات الاحتلال، تبدأ لحظة وصولهم إلى معبر «إيريز».. حتى عملية العلاج مغموسة بالقهر والذل.
في القطاع جيل كامل لا يعرف من تل أبيب سوى العدوان والقهر والحصار، يرى المستقبل بعيون سوداوية. محاصر مقموع، لا يعرف عن العالم سوى ما يشاهده على شاشات التلفاز إن تمكن من ذلك.
في غزة أطفال محاصرون غير قادرين على الوصول إلى أماكن عمل آبائهم. وطلبة غير قادرين على الوصول إلى جامعاتهم. هل شاهدتم كيف يبكي الطفل والشيخ والمرأة على معبر رفح، أول من أمس، يستجدون لعلّ وعسى؟!.
في غزة الضغط المرتفع يحاصر كل شيء، والانفجار أصبح قاب قوسين أو أدنى. ماذا سيخسر أهالي القطاع من لحظة انفجارهم. فلا حياة يندمون عليها، ولا رفاهية سيخسرونها. ولكن ربما في في انفجارهم، وربما في مسيراتهم الموعودة لاقتحام الحدود والعودة إلى قراهم المهجّرة والمدمّرة ما يؤكد حريتهم، ورفضهم حياة الذل والقهر.
سلطات الاحتلال تمادت في حصارها وإذلالها للقطاع، والنتائج ستظهر قريباً إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
ajjarquds@gmail.com