راهن أصحاب الحل السياسي مع الاحتلال الصهيوني كثيراً على الشعب الفلسطيني وقدراته المتنوعة في طرح وممارسة رؤيتهم التفاوضية التي تحتاج إلى نفس طويل، وعمر مديد في تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية، فنجحوا في استمالة الكثير من المثقفين والكتاب والمحللين، والتجار، وأصحاب المصالح ردحاً من الزمن حتى وصل هذا الفريق إلى طريق مسدود عبر محطات مختلفة تُوجت بقرار ترمب الأخير (بشأن القدس) الذي عكس هشاشة الموقف الفلسطيني أمام الاحتلال الصهيوني في ظل المعادلات الدولية المنحازة كلياً إلى الطرف الأخير.
وراهن أصحاب المقاومة المسلحة على الحاضنة الشعبية وقوتها المتجددة في بناء قوتها، وتطوير أسلحتها، حتى أصبحت درعاً حامياً، ووقوداً قوياً للمقاومة ونشاطاتها المتنوعة، غير أنَّ هذا السلوك وإبداعاته المختلفة وخصوصاً في غزة بات مقيداً في كثير من الأحيان؛ نظراً للظروف الإقليمية المتدهورة، والتجربة المريرة التي عانى منها أهل غزة خلال حروب ثلاثة، دون تحقيق مكتسبات حقيقية تدفع بالقضية الفلسطينية وشعبها المناضل إلى الأمام.
في ظل هذا المشهد المتردي وجب علينا أن نُعيد النظر في سلوكنا المناضل، ونُعيد ترتيب أوراقنا من أجل تحريك المياه الراكدة التي تدفع بنا نحو أهدافنا المنشودة، ومن الخيارات التي لا بديل لها في الوقت الحالي هو أن يقود شعبنا القوي- الذي لم يخذل قادته المختلفة يوماً، ولم يتراجع قيد أنملة في أن يُقدم من دمه ووقته ووماله، من أجل قضيته العادلة، وكرامته الراسخة- نفسه بنفسه عبر مسيرة سلميّة مليونية تنطلق نحو أرضه المسلوبة، وحقوقه المهدورة، في ظل تغطية إعلامية كبيرة؟؟
قد يُنظر إلى هذه الفكرة في بداية الأمر بتهكم واستخفاف نظراً لقوة الاحتلال وإمكانياته المختلفة التي تدفع البعض أن يزعم دون تفكير بأن َّالاحتلال سيقتلهم جميعا دون تردد!!
في الحقيقة إنَّ الاحتلال الصهيوني ناقش هذا السيناريو أكثر من مرة عبر الإعلام أحياناً، وعبر ورشات عمل، ودراسات علمية في أحيان أخرى، وخصوصاً بعد أحداث الربيع العربي عام 2011م، الذي شهد حشوداً كبيرة من المواطنين الذين وقفوا أمام الدولة ورئيسها من أجل المطالبة بحقوقهم المهدورة، وكرامتهم المسلوبة، الأمر الذي أربك الأنظمة العربية ووسائل بطشها، وأطاح بالعديد من رموزها المشهورة؛ لذلك أطلق الإعلام (الإسرائيلي) عليه بالسيناريو المرعب الذي قد لا تجد إسرائيل له حلاً إذا ما وقع بالطريقة المذكورة.
وقد خلصت إحدى ورشات العمل الكبيرة والتي استمرت ثلاثة أيام متواصلة ضمت في نقاشاتها- نخبة من المفكرين والضباط وأصحاب الرأي والقادة السياسيين والأمنيين- إلى نتيجة واحدة مفادها أنَّ الجيش الصهيوني لن يستطيع أن يتعامل مع أعداد كبيرة إلا إذا قلّت عن أربعة آلاف شخص، وبناءً عليه تم تزويد الجيش الصهيوني بقنابل الصوت والغاز ، وقنابل الطنين التي قد تساعد الجيش في تفريق المتظاهرين في حال حدث هذا الأعداد المذكورة، غير أننا لم نتقدم خطوة واحدة لننتزع حقوقنا المسلوبة.
تخيل أنَّ زحوفاً بشرية، قد تصل إلى نصف مليون في التجمع الواحد- غزة، ولبنان، والأردن- وتنطلق نحو الأراضي المحتلة، ماذا يمكن أن يفعل الجيش الصهيوني في هذه الحالة هل سيقتل ألفاً، ألفين، ثلاثة آلاف، لقد قدم الشعب الفلسطيني عبر مسيرته التحررية آلفاً من الشهداء، والجرحى، والأسرى، فلماذا لا نجرب هذا المسار الشعبي الذي قد ينتج عنه مسارات جديدة؟
إنَّ قوة هذه الفكرة تكمن في حجم الأزمة الأخلاقية والإنسانية التي ستواجهها دولة الاحتلال الصهيوني عندما تنطلق زحوفا بشرية من أجل المطالبة باحتياجاتها الإنسانية المتعلقة بالمأكل والمشرب، وحرية الحياة، فلماذا لا نتوجه نحو هذا المسار بذكاء، ونقطع على عدونا عشرات الخطط التصفوية التي قد تدفعنا نحو صفقة القرن المشؤومة؟؟