الصحافي الإسرائيلي، رونين بيرغمان، المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت، كشف في مقال مطول له نُشِر يوم أمس في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن عشرات المحاولات الإسسرائيلية لاغتيال الزعيم الفلسطيني الراحل عرفات، وكيف نجا منها بِحسه الأمني العالي في الكثير من الأحيان أو لخلافات داخل القيادة الإسرائيلية متعلقة بحجم الدمار الذي قد يلحق بالمدنيين إذا ما نفذت عملية الاغتيال.
أهم ما يكشفه التقرير أن إسرائيل دولة تمارس الإرهاب بشكل رسمي وأن العديد من قادتها متورطون فيه، وأنها الدولة الأكثر في العالم ممارسة لعمليات الاغتيال السياسي.
التقرير يذكر، أن الراحل عرفات كان على رأس قائمة القادة الفلسطينيين الذين كانت إسرائيل تسعى لقتلهم وأنها كانت تعتبر اغتياله طريقا لإنهاء حركة المقاومة الفلسطينية لما يمثله لها من مكانة رمزية ولأنه يتمتع بقدرات قيادية عالية تمكنه من تجميع فصائل المقاومة وأفرادها تحت قيادته.
يبدأ التقرير بسرد محاولة اغتيال الرئيس الراحل في شهر تشرين الأول العام 1982 عندما اعتقدت إسرائيل بأن عرفات في زيارة لأثينا.
التعليمات الصادرة من شارون، وكان حينها وزيراً للدفاع، كانت تقضي باغتيال عرفات بأي طريقة ومهما كان الثمن. جهاز الموساد رصد ما اعتقد بأنه "عرفات" في مطار أثينا، وراقبه أثناء صعوده للطائرة، وحدد نوع الطائرة ورقمها وألوانها ونقل المعلومات للجهة المسؤولة عن الاغتيال.
الخطة كانت تستهدف إسقاط طائرة عرفات فوق البحر المتوسط من خلال مقاتلات حربية (F15 ). لهذه الغاية تم تخصيص طائرة مدنية إسرائيلية من نوع بوينغ (707) محملة بأجهزة إلكترونية ورادارات للاتصال بالمقاتلات الحربية وتوجيهها للهدف لأن ذلك غير ممكن تقنيا من داخل إسرائيل.
الطائرات الحربية رصدت الطائرة وأعطت تأكيدات قاطعة بأنها نفس الطائرة التي تم إبلاغ الموساد بشأنها من خلال عملائهم في أثينا.
المسؤول عن قرار إعطاء التعليمات للمقاتلات الإسرائيلية بإسقاط الطائرة تردد وطالب تأكيدات من أجهزة المخابرات الإسرائيلية المتعددة بأن الموجود على الطائرة هو عرفات. لكن تبين لها في اللحظة الأخيرة بأن عرفات لم يصل أصلاً الى أثينا حتى يغادرها، وأن الطائرة تحمل شقيقه، الدكتور فتحي عرفات، مؤسس الهلال الأحمر الفلسطيني، الذي يشبهه كثيراً. وتبين لها أيضا أن الطائرة تحمل بالإضافة الى الدكتور فتحي، ثلاثين طفلا فلسطينيا مصابا من حرب لبنان وأنهم في طريقهم لمصر لتلقي العلاج.
عدد المحاولات لاغتيال عرفات التي يذكرها التقرير تتجاوز العشرات، غالبيتها كانت أثناء وجوده في لبنان والعديد منها تم أثناء حصار بيروت عندما كانت الطائرات الحربية تقصف أماكن يعتقد بأن الراحل عرفات بها، لكنه يكون إما قد غادرها قبل قصفها وإما لم يزرها لحسه الأمني العالي.
التقرير يكشف عن دولة لا تتورع في استخدام أي طريقة مهما كانت مخالفة للقانون الدولي لتنفيذ جرائمها. مثلاً، التقرير يقول، إن الموساد الإسرائيلي قرر استخدام اللقاء الصحافي للراحل عرفات مع أوري أفنيري خلال حرب لبنان لتصفيته دون علم الأخير، وأن قادة في الجيش الإسرائيلي لم يمانعوا في قتل أوري أفنيري معه. لكن رجال أمن عرفات قاموا بعملية تمويه منعت إسرائيل من رصد مكان اللقاء الصحافي الذي جهزت إسرائيل طائراتها لاستهدافه.
يكشف التقرير أيضاً عن خطط مجنونة لاغتيال عرفات لا تمارسها إلا دولة تقودها عصابات أو جماعات مثل "داعش" و"القاعدة".
من الخطط مثلاً التي وضعت وانتظرت قرار التنفيذ، تفخيخ إستاد رياضي كامل بالمتفجرات، وإحاطته أيضاً بسيارات محملة بالعبوات الناسفة وتفجيرها أثناء احتفال الرئيس عرفات والقيادة الفلسطينية بذكرى انطلاق حركة "فتح".
كان ذلك في الأول من كانون الثاني العام ١٩٨٢. كل شيء وضع في مكانه بانتظار الأمر بالتنفيذ، لكن مجموعة من ضباط جهاز "أمان" الإسرائيلي، مضافاً لها نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، توجهوا لـ "بيغن"، رئيس وزراء إسرائيل حينها، وأخبروه بأن عملية الاغتيال التي حصلت على موافقة شارون، ستؤدي الى مقتل الآلاف من المدنيين وأن العالم لن يحتمل هذا المستوى من الإجرام. بيغن بعدها وافق على وقف تنفيذ عملية القتل الجماعي.
التقرير أيضاً يكشف عن تشكيل فريق أمني إسرائيلي لا تعلم به حتى أجهزة سيادية في دولة إسرائيل، هدفه قتل القادة والمقاومين الفلسطينيين في لبنان بكل الطرق الممكنة بعد عملية نهاريا العام ١٩٧٩ التي نفذها سمير القنطار.
رافول إيتان، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أعطى تعليمات مختصرة لقائد المنطقة الشمالية، أفيغدور بنغال. قال له: "اقتلوهم جميعهم".
بنغال شكل فريقه الذي قام بحسب المقال بقتل المئات من المقاومين في لبنان بطرق مختلفة بين العام ١٩٧٩ والعام١٩٨٢.
عرفات الذي تمتع بحصانة سياسية بعد اتفاق أوسلو منعت اغتياله عاد مجدداً الى قائمة الاستهداف، يقول التقرير، بعد الانتفاضة الثانية.
في نيسان العام ٢٠٠٢، رد شارون على سؤال لأحد الصحافيين الإسرائيليين عن ما إذا كان لا يزال ملتزماً بتعهده للرئيس بوش العام ٢٠٠١ بعدم المس بالراحل عرفات، وكان جوابه بأن هذا الاتفاق مع بوش لم يعد قائماً. في تشرين الثاني، قتل عرفات بالسم.
التقرير لا يدعي بأن إسرائيل هي من نفذ عملية القتل، لكن السياق الذي يضعه التقرير لمحاولات إسرائيل العديدة لاغتياله يشير الى هذا الاتجاه.