هل تصمد فلسطين أمام الضغوط؟مهند عبد الحميد

الثلاثاء 23 يناير 2018 09:28 ص / بتوقيت القدس +2GMT
هل تصمد فلسطين أمام الضغوط؟مهند عبد الحميد



تسود في هذه الآونة سياسة عابرة للدول، عنوانها تجاهل مغزى إعلان ترامب حول القدس ومغزى صفقة القرن الموعودة. ذلك المغزى الذي يحيل الشعب الفلسطيني إلى تجمعات بشرية طارئة، ويحيل حقوقه المشروعة بما فيها حقه في تقرير مصيره بنفسه إلى فريق أصولي يهودي منحاز لحكومة المستوطنين، وإلى نخب مالية تنتمي لسياسة التوحش الاقتصادي وغطرسة القوة واليمين العنصري القومي الديني. 
دول عربية وعالمية تتجاهل تبني إدارة ترامب لأيديولوجية اليمين القومي الديني الصهيوني في العلاقة التاريخية بين اليهود ومدينة القدس، وفي السيادة الحصرية على المدينة و»أرض إسرائيل» كتحصيل حاصل. ترامب يشطب صفة احتلال إسرائيلي غير شرعي، ووفقاً لذلك فإن الأراضي الفلسطينية غير محتلة، والاستيطان نمو طبيعي و»مشروع». ترامب يتبنى الرواية «التوراتية» كبديل للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تعرف الوجود الإسرائيلي باحتلال عسكري غير مشروع، وتتعامل مع الاستيطان وكافة الوقائع التي فرضتها دولة الاحتلال على الأرض الفلسطينية، بما في ذلك مدينة القدس، على أنها غير مشروعة وينبغي التراجع عنها عبر تطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. كيف يمكن تجاهل استبدال القانون الدولي بأيديولوجيا ومطالبة دول العالم الاعتراف بدولة إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، وبسيادتها من النهر إلى البحر، وتجاهل اعتماد إدارة ترامب نظام العقوبات لفرض الاحتلال ووقائعه الكولونيالية على الأرض، ولفرض حل «أبارتهايد»، أقل من حكم ذاتي من طرف واحد وسابق لعملية التفاوض المفترضة؟ ومن نماذج العقوبات الأميركية: وقف تمويل «اليونيسكو»، وتخفيض تمويل وكالة «الأونروا» للاجئين إلى أقل من النصف، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ووقف المعونات عن السلطة، والضغط على دول أخرى لوقف الدعم. 
تتكئ فلسفة الداعين إلى التعاطي «البناء» مع قرار ومبادرة ترامب، إلى التسليم بأنه لا غنى عن الدور الأميركي ولا يمكن إيجاد حل دون مشاركة أميركية، فالولايات المتحدة وحدها تستطيع إلزام إسرائيل باتفاقات مستقبلية. هنا يتم القفز عن حقيقة أن الحل الأميركي عبارة عن منتج اسرائيلي من الطراز المتطرف، ولا تحتاج دولة الاحتلال إلى من يسوق لها منتجاً من صناعتها وبختمها. أكبر دليل على ذلك تغني التحالف الحاكم بمكرمة ترامب حول مدينة القدس وإجماع المؤسسة الإسرائيلية (سلطة ومعارضة) على قبول ومباركة تلك المكرمة. 
ويستند دعاة الانتظار والتعاطي البناء مع  قرار ترامب وصفقته الموعودة إلى غموض بناء في نص القرار، حين لم  يُعَرِّف قرار ترامب حدود مدينة القدس كعاصمة إسرائيلية، تاركاً ذلك «لاتفاق الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي»، وكذلك عندما تضمن قرار ترامب أن أميركا تدعم حل الدولتين «إذا كان مقبولاً لدى الطرفين». يتغافل مخترعو الإيجابيات عن حقيقة أن الإشارتين المذكورتين مقيدتان ويمكن للمفاوض الإسرائيلي – إن قبل التفاوض حولهما – أن يرفضهما بكل بساطة، كما قال أقطاب في اليمين الإسرائيلي. شأنهما في ذلك شأن كل قضايا التفاوض التي ترتبط باتفاق الطرفين أحدهما يملك قوة النقض وتأثير الوقائع التي تصنعها غطرسة القوة والأموال الطائلة، والآخر لا يملك شيئاً غير القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي شطبها ترامب ونائبه وفريقه التفاوضي وسفيره في تل أبيب.
إن الادعاء بوجود إيجابيات في الصفقة وفي قرار القدس، يفسر سؤال لماذا لم تخض الدول العربية معركة سياسية جدية دفاعاً عن القدس، سواء عبر عقد قمة خاصة بالقدس أو عبر الجامعة العربية ومجالسها، وعبر مجلس الأمن الذي أهدرت فيه فرصة نادرة، حين تعمد نص مشروع القرار عدم التعرض للولايات المتحدة بالاسم كطرف ينتهك ميثاق الأمم المتحدة، وبفعل ذلك تمكنت الولايات المتحدة من استخدام الفيتو. الشيء نفسه حدث في اجتماع الجمعية العامة التي اجتمعت للدفاع عن السلم العالمي، ولم تخض المجموعة العربية معركة سياسية قوية تسمح بتحويل قرار الجمعية إلى قرار ملزم وله قوة قرار مجلس الأمن. لقد كانت المصالح الخاصة لكل دولة وبالدول مجتمعة أكبر وأهم من مدينة القدس، وكان الحفاظ على الدعم المالي والعسكري والأمني الأميركي أهم من المسألة الوطنية المشتركة التي اسمها القدس.    
اللافت للنظر أن المعارضة الإسرائيلية لم تتجاوز نقطة التقاء معسكري اليمين المتطرف الأميركي والإسرائيلي، وقاسمتهما الفرحة في الموقف من القدس، وانضمت إلى معسكر الباحثين عن إيجابيات حل الدولتين وحدود القدس غير المعرفة ولم تنس إبراز مخاطر الدولة الواحدة التي تقود إليها سياسة ترامب ونتنياهو. كما لم ينس عبقري السلام يوسي بيلين أهمية التقاط الفلسطينيين للفرصة، كي يتولى ترامب الضغط على حكومة نتنياهو وإلزامه بمواقف لا يرغب بها. وأعاد كتاب إسرائيليون تكرار معزوفة «إضاعة القيادة الفلسطينية فرصة أخرى» لتحقيق إنجازات لشعبهم». باستثناء المعارضة الفلسطينية (القائمة الموحدة) في الكنيست التي اتخذت موقفاً شجاعاً بمقاطعة بنس، فإن موقف المعارضة الإسرائيلية أخفق في الاختلاف والتميز عن معسكر الأصولية القومية والدينية. 
الموقف الأوروبي لم يخرج بدوره من العباءة الأميركية. فقد تحدثت تقارير إعلامية عن نصائح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي تدعو القيادة الفلسطينية للتريث وانتظار الإعلان الأميركي عن «صفقة القرن»، قبل اتخاذ مواقف بصيغة قاطعة ونهائية. الموقف الفرنسي الوثيق الصلة  بالموقف الأوروبي يُفهم منه انتظار صفقة ترامب، وتأجيل الاعتراف الأوروبي بفلسطين كدولة تحت الاحتلال، وربما تأجيل اتفاق الشراكة مع فلسطين الموازي لاتفاق الشراكة مع إسرائيل. 
تواجه فلسطين خللاً في المواقف العربية والإسلامية والأوروبية، كان من نتيجته ضعف إسناد ودعم الصمود الفلسطيني. الخلل لم يأت مفاجئاً، فهو نتاج لسياسات معروفة منذ زمن طويل. وكان من الخطأ البناء على سياسات تؤدي إلى ما نحن عليه. ما يهم الآن هو الموقف الفلسطيني، الذي عبره يمكن أن تمر صفقة ترامب أو تصد وتتكسر. العامل الفلسطيني يعد الأقوى في المجال السياسي، ولا يعقل أن يتراجع الموقف الفلسطيني بذريعة الهوان في المواقف العربية والإسلامية والأوروبية. فتلك المواقف لا تبرر استخدام العامل الفلسطيني كغطاء سياسي لصفقة ترامب، مطلوب أشكال من الصمود والتحمل والمقاومة وإعادة بناء البيت الفلسطيني، من أجل إعادة الاستقطاب داخلياً وخارجياً ضد الغطرسة وشريعة الغاب والتهافت. وسيجد الشعب الفلسطيني الكثير من دول وشعوب وقوى يقفون إلى جانبه وينتصرون لقضيته العادلة. 

Mihanned_t@yahoo.com