إدارة الرئيس الأميركي ترامب، ليست في مواجهه مع الفلسطينيين فقط، لكنها في حالة عداء مع بقية العالم أيضاً. هذا يوفر فرصة غير مسبوقة للفلسطينيين لتحقيق نتائج أفضل على الصعيد السياسي تمكنهم من تجاوز الضغوط التي تستهدف تصفية قضيتهم على حساب الدول المجاورة لفلسطين التاريخية.
ترامب في حالة صراع مع غالبية الدول الأوروبية حتى قبل دخوله البيت الأبيض. هو شجعَ وباركَ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وانتقدَ أيضاً وهاجمَ هذه الدول لأنها تنفق نسبة أقل مما تنفقه الولايات المتحدة على موازناتها العسكرية مهدداً بأن بلده ستقوم بخفض إنفاقها على الناتو.
وهو أيضاً أيد علناً الأحزاب الأكثر يمينية في أوروبا والتي تشاركه العداء لكل من لا ينتمي للعرق الأبيض.
ترامب أيضاً هاجم ألمانيا لاستقبالها مئات الآلاف من اللاجئين السوريين متهماً إياها بتسهيل الإرهاب.
في الممارسة الفعلية لسياساته، أعلن ترامب خروج إدارته من "اتفاق باريس للمناخ" الذي يهدف لحماية الغلاف الجوي من الانبعاث الحراري. وسعى أيضاً لتغيير الميزان التجاري بين كل دولة أوروبية منفردة والولايات المتحدة حتى يميل الميزان باتجاه الأخيرة.
الصين، من ناحية أُخرى، كانت الدولة الأولى التي استهدفها ترامب في حملته الانتخابية، وهي في حساباته المنافس التجاري الأكبر للولايات المتحدة. لذلك سعت إدارته منذ البداية الى استخدام سياسة العصا والجزرة مع الشركات الأميركية العاملة في الصين: ضرائب أعلى في حالة بقائها هناك وضرائب أقل إن أعادت فتح مشروعاتها في أميركا.
في أميركا اللاتينية وأفريقيا، وضع إدارة ترامب أسوأ. يكفي التذكير بأنه يسعى لبناء جدار مع المكسيك وأنه اتهم اللاتينيين بأنهم "سارقون ومغتصبون"، وبأنه وصف الأفريقيين بأنهم "حثالة".
مع إيران وتركيا توجد حالة صراع على الأرض وليس فقط مجرد تصريحات.
ترامب يعادي الاتفاق الذي وقعته الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة الى ألمانيا، مع إيران بشأن برنامجها النووي. هو يسعى لانسحاب منه ويعمل على نقضه بتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران.
مع تركيا هنالك حرب بالإنابة بين حلفاء أميركا، الأكراد، وبين حلفاء تركيا من المعارضة السورية. حرب يبدو أن تركيا ستخوضها بشكل علني بعد أن قام ترامب بإنشاء جيش كردي من ثلاثين ألف مسلح للاحتفاظ بالمناطق التي تم الاستيلاء عليها بعد طرد داعش منها.
مع روسيا، كان ترامب يأمل بتحسين علاقاته. لكن الاتهامات التي تطارده بالتحالف معهم واستخدامهم من أجل الفوز بالرئاسة دفعته الى حالة العداء معهم. سياساته في سورية واتهامه للروس بأنهم يدعمون نظام كوريا الشمالية هي مؤشرات على ذلك.
القائمة المعادية للإدارة الأميركية الحالية تطول، ويمكن فقط العودة للتصويت الذي جرى في الأمم المتحدة مؤخراً بشأن القدس، والذي سبقه ابتزاز وتهديد بوقف المساعدات الأميركية عن الكثير من الدول، للتأكيد أن العالم بغالبيته الساحقة لا يحترم هذه الإدارة ولا يتفق مع سياساتها.
من يقف إذن مع إدارة ترامب؟
هنالك أوهام بأن عداء هذه الإدارة لإيران يجعلها مقبولة على بعض الدول العربية.
في الواقع العملي ستكتشف هذه الدول سريعاً أن هذا العداء لا يمكن ترجمته على الأرض بسياسات يمكنها إيقاف التمدد الإيراني في العالم العربي، لأن هذه الإدارة ليست على استعداد للتضحية بجندي أميركي واحد من أجل هذا الهدف.
هذه الدول ستكتشف أن الطريق لحماية مصالحها وأمنها لا يتم من خلال المواجهات المسلحة التي تستنفذ مواردها وتضعف أمنها وتهدد استقرارها ولكن من خلال الحوار وعقد الاتفاقات التي تحمي مصالحها ومصالح جيرانها.
هذه الإدارة إذن معزولة سياسياً وحلفاء أميركا التاريخيون لا يتفقون معها، ولا يكنون لها أي احترام.
هذا في حد ذاته مكسب كبير للفلسطينيين يمكن البناء عليه سياسياً لتجاوز التهديدات الأميركية بحصار السلطة الفلسطينية وبجعل الأرض الفلسطينية فريسة للإسرائيليين.
المقترحات في هذا السياق كثيرة، لكن الأفضل أن يسبقها عصف ذهني فلسطيني بدعوة، ربما الأفضل لها أن تأتي من وزارة الخارجية الفلسطينية، للنخب الفلسطينية في الداخل والخارج هدفها الوحيد وضع مقترحات يمكن للمؤسسات الفلسطينية دراستها وتبنيها أو تبني بعضها من أجل تجاوز الضغوط الأميركية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
الاجتماع في حد ذاته مكسب للقضية الفلسطينية، لأنه يوحد الطاقات الفلسطينية ويتجاوز حالة الانقسام الحالية بين "فتح" و"حماس" لأن موضوعه يتعلق فقط بكيفية العمل على الاستفادة من حالة العداء بين إدارة ترامب والعالم ولن يناقش موضوعات لها علاقة بالوضع الداخلي الفلسطيني.
يمكن أيضاً أن ينتج عن هذا اللقاء أو المؤتمر تشكيل لجان مختصة تعمل تحت مظلة الخارجية الفلسطينية مثل لجنة لدعم اللاجئين هدفها كسر العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب على "الأونروا".
لجنة للتباحث الإستراتيجي مع الدول العربية هدفها تثبيت المبادرة العربية لحل الصراع مع إسرائيل وعدم تجاوزها، وأخرى للتواصل مع بقية دول العالم هدفها عقد مؤتمر دولي للتأكيد على الثوابت التي أقرها القانون الدولي لحل الصراع مع إسرائيل.
هنالك الكثير مما يمكن اقتراحه وعمله، لكن الأصل أن يأتي ذلك بعد عصف ذهني فلسطيني، وأن يكون ذلك تحت مظلة الخارجية الفلسطينية حتى تتحول المقترحات بعد قبولها من المؤسسات الفلسطينية إلى سياسات رسمية لها.