يؤشر ناشط سياسي ورجل أعمال أردني من وزن أحمد لطوف مجددًا على «الجرح المكبوت» وهو يهمس على صفحته الفيسبوكية بالمعلومة التالية: «اتصالات سعودية مع عدد من وجهاء ومشايخ مدينة القدس بصورة مباشرة».
يتم تسريب هذه الهمسة بالتزامن مع تلك النغمة التي حذر منها عضو البرلمان الأردني خليل عطية تعليقًا على دعوة زعيم ما يسمى المعارضة في الكنيست الإسرائيلي «لِدور أكبر للسعودية الجديدة» في ملف القدس.
عطية تحدث مجددًا عن محاولات «صهيونية» لدقَّ أسافين بين الرياض وعمّان. لكن الهمسة نفسها تزامت مع البلاغ المثير الذي قدمه الرئيس محمود عباس رسميًا للشريك الأردني عندما قال: «زيارتي الثانية للرياض كانت أفضل بكثير من الأولى ومريحة أكثر».
أسباب الاسترخاء
اللافت أن عباس لم يشرح للأردنيين أسباب الاسترخاء والتقويم، لأن ما حصل في زيارته الثانية مع الأمير محمد بن سلمان لا يزال مجهولا، ليس فقط بالنسبة للأردنيين الباحثين عن «أية معلومات مفيدة» بل لأركان السلطة الفلسطينية أنفسهم.
لا يَعرف عمليًا أسباب مشاعر الارتياح السياسي عند عباس إلّا ثلاثة أشخاص؛ هم مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج ووزير التنسيق المدني حسين الشيخ ومسؤول المعابر نظمي مهنا الذي شكل حضوره نشاطًا خارجيًا لأول مرة «لغزاً محيراً» حتى لأقرب المسؤولين الفلسطينيين.
المهم أن عمّان دققت بالتفاصيل شغفًا لمعرفة الأسباب التي أدت لارتياح عباس بعد لقائه الأمير محمد بن سلمان للمرة الثانية، ليس فقط من باب الفضول، ولكن لأن اللقاء الأردني الأخير قبل قمة اسطنبول مع الأمير نفسه لم يكن مُريحًا.
عملية التمحيص الأردنية العميقة توصلت لاستنتاج، لا لمعلومة على أساس أن سبب ارتياح الرئيس عباس هو في الأرجح عودة الحصة السعودية المالية الشهرية الـ 20 مليوناً بدلا من سبعة ملايين بأمر مباشر من الأمير بن سلمان ثم تخصيص مبلغ يزيد بقليل عن 50 مليوناً تحت بند جديد هو «تعزيز صمود أهل القدس».
همسة لطوف
لطوف وهو بكل حال شخصية عميقة، «همسته» تتمتّع بالمصداقية تلاطف السؤال الأساسي: لِمَ يريد الأمير بن سلمان فجأة «دعم صمود أهل القدس».
أي حديث عن رغبة «سعودية» بمنافسة الأردن بملف القدس ورعاية المسجد الأقصى «يستخف به» المسؤولون الأردنيون كلهم عمليًا ويستبعدونه ويعتبرون أن الخلافات الباطنية بين الجانبين متعددة، لكن ليس من بينها إطلاقاً رغبة في التزاحم على ملف القدس.
وفقًا لمسؤول بارز في الحكومة الأردنية فإنه من غير المنطقي في ظل التحولات السعودية، التي تحاول التخفف من الخطاب الديني عمومًا ومن حمل مكة نفسها، التحدث عن رغبة الرياض في التورط بالقدس.
المسؤول نفسه قال: ذلك بعيد إلى حد ملموس، وشخصيًا لا أتخيّل أن إسرائيل توافق على دخول أطراف جديدة «لم تعمل معها سابقًا» إلى الحرم القدسي، فتلك «خبرة» كانت وعلى مدار عقود مختصة بنا نحن الأردنيين فقط.
يجدد ذلك الانطباع أن عمّان وهي تدير حزمة مصالحها في الملفين الإسرائيلي والفلسطيني بدأت تبحث فعلا عما يسميه المخضرم طاهر المصري في جلسات خاصة بالبحث عن طريقة لـ «النزول من عن الشجرة» بعد جريمة السفارة الإسرائيلية الشهيرة حيث مواجهة متواصلة مع بنيامين نتنياهو لا مع العمق الإسرائيلي.
في دوائر عميقة عدة في الأردن لا يزال التصور أن «العمق الإسرائيلي» هو الأساس في مسألة «عدم الترحيب» من حيث المبدأ بأي بديل للوصاية الهاشمية، التي تُظهر عمّان صلابة في التمسك بدورها فيها، ليس لأن المنطق يستند هنا لعدة «شرعيات» ولكن لأن أي طرف في المنطقة بما فيه السـعودي وكـذلك الفلسـطيني لا يملك عمـلياً الخبـرة الضـرورية والمتـبادلة مـع الإسـرائيـليين في إدارة هـذا المـلف وتلـك «الوديـعة».
السياسي الأردني الوحيد الذي حذر علنًا من طموحات المنافسة على ملف القدس المحتلة وفي مقر نقابة الصحافيين كان رئيس الديوان الملِكِي الأسبق عدنان أبو عودة، عندما استوضحت منه «القدس العربي» تحدث عن محطات وتحولات ونقاط مثيرة في مجمل التحوط السياسي في المنطقة.
في غرفة القرار الأردنية العميقة، لا تزال النظرة للتقارب السعودي الإسرائيلي على أساس أنه يخضع لـ «مبـالغات كبـيرة» وليـس جدياً لأن وظـيفته منحصرة بـ «مناـكفة ايـران» والتـباين معـها ليـس أكثر ولا أقـل.
هذا ما سمعه الأردن من الملك سلمان بن عبد العزيز شخصيًا ومن ناصحين مقربين منه، وحتى الرئيس عباس يتحدث عن «صحوة سعودية متأخرة» قليلا نتج عنها تصريحات قاسية في مسألة قرار الرئيس ترامب الجديد تحت عنوان التضامن مع القدس والشعب الفلسطيني.
ما يقوله الأردنيون للشقيقين السعودي والإماراتي واضح في سياق ملف الوصاية على القدس، وهو يؤشر على التفريق بين مبدأ «الوصاية الهاشمية» وتوجّه الموقف السياسي للدولة الأردنية إزاء مجمل ملف القدس.
بالمواصفات التي تحاول عمّان شرحها للفرقاء أن «الوصاية على المقدسات في القدس» تخص العائلة الهاشمية وهي مسؤولية أدبية لا تستوجب المزاحمة ولا تنطوي على دور سياسي وهو أمر يتوقع الأردن من الجميع احترامه وتقديره ودعمه، أما موقف الدولة السياسي فمسألة متباينة ويمكن الاختلاف أو الاتفاق عليها.
هنا حصريًا برزت أهمية الخطاب المرجعي الأردني الملِكِي الذي يتحدث عن «تباين في الأولويات والاستراتيجيات» أضعف المعسكر العربي في مواجهة ترامب والقدس.